منذ اندلاع الحرب الهمجية في غزة المحاصرة، تشتد بين الولايات المتحدة والعراق الانفعالات، بسبب الغارات العسكرية الأميركية التي استهدفت قادة في الفصائل العراقية المسلحة، بعد توجيه هذه الفصائل صواريخها للقواعد الأميركية... العراق يريد خروجاً سريعاً ومنظماً للقوات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة من أراضيه، ولكن لم يتم تحديد موعد نهائي، كما يقول رئيس الوزراء، واصفاً وجود تلك القوات بأنه مزعزع للاستقرار وسط تداعيات إقليمية.

مواقف الزعيم العراقي محمد شياع السوداني غير ثابتة، تعبر عن ردود فعل مثيرة للتساؤل داخل الأوساط العراقية. منها على سبيل المثال لا الحصر، القول إنَّ تصرفات الجيش الأميركي في العراق تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وإن التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية لم يعد ضرورياً. لكنه، وفق ما نشر مؤخراً في وسائل الإعلام من معلومات سرية، يؤكد بأن بقاء قوات التحالف في العراق ضرورة! من جهة أخرى يشير إلى أنَّ هجمات الفصائل العراقية على القوات الأميركية تثير الانتقام الأميركي، وأنَّ العراق لا يرى الولايات المتحدة كعدو.

اكتسبت الدعوات التي أطلقتها منذ فترة طويلة فصائل أغلبها شيعية، قريبة من إيران، لرحيل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، زخماً بعد سلسلة من الضربات الأميركية على جماعات متشددة تشكل جزءاً من قوات الأمن العراقية الرسمية. وأثارت تلك الضربات، التي جاءت رداً على عشرات الهجمات بطائرات دون طيار والصواريخ على القوات الأميركية منذ أن شنت إسرائيل حربها على غزة، مخاوف من أن يصبح العراق مسرحاً للصراع الإقليمي. وفي مقابلة صحفية في بغداد يوم الثلاثاء 9 كانون الثاني (يناير)، قال السوداني: "هناك حاجة لإعادة تنظيم هذه العلاقة حتى لا تكون مبرراً لأي طرف، سواء كان داخلياً أو خارجياً، للعبث بالاستقرار في العراق والمنطقة".

إقرأ أيضاً: استراتيجية نظام الولي الفقيه بين أزمة غزة والأزمات الداخلية

ومن المرجح أن يؤدي الانسحاب الأميركي إلى القلق في واشنطن بشأن زيادة نفوذ إيران على النخبة الحاكمة في العراق. حيث أنَّ الجماعات الشيعية المدعومة من إيران اكتسبت قوة في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وربما سنشهد مزيداً من التوسع في ساحة الصراع في منطقة حساسة بالنسبة إلى العالم، والتي تحتوي على جزء كبير من إمداداته من الطاقة". الأمر الذي دفع بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يوم الاثنين 8 كانون الثاني (يناير) إلى القول إنَّها لا تخطط لسحب القوات الأميركية الموجودة في العراق بناء على دعوة من حكومتها.

إقرأ أيضاً: إشكالية المعارضة في الشرق الأوسط

العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، من بين أشد المنتقدين للحملة الإسرائيلية على غزة، ويعتبر القتل الجماعي وتهجير المدنيين الفلسطينيين حالة من الإبادة الجماعية. الا أنَّ الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة على القوات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية في العراق غير قانونية وتتعارض مع مصالح البلاد. فالجماعات المسلحة تستخدم مكانتها كأعضاء في قوات الحشد الشعبي، وهي قوة أمن حكومية بدأت كمجموعة من الميليشيات في عام 2014، كغطاء. لكن عندما تضرب القوات الأميركية، فإنها تعمل خارج التسلسل القيادي تحت راية المقاومة الإسلامية في العراق؛ وعندما تنتقم الولايات المتحدة، فإنهم تندب خسائرها كأعضاء في قوات الحشد الشعبي وتحصد ثمار تصاعد المشاعر المناهضة للولايات المتحدة.

إقرأ أيضاً: ماذا ينتظر خامنئي؟

الدعوات لانسحاب التحالف كانت موجودة منذ سنوات، وحتى الآن لم يتغير الكثير. ففي عام 2020، صوَّت البرلمان العراقي لصالح رحيله. وفي العام التالي، أعلنت الولايات المتحدة نهاية مهمتها القتالية في العراق والتحول إلى تقديم المشورة والمساعدة لقوات الأمن العراقية، وهي خطوة لم تغير سوى القليل على أرض الواقع. إلا أنَّ حرب غزة أعادت القضية إلى الواجهة من جديد، حيث دعت العديد من الجماعات العراقية التي أوصلت حكومة السوداني إلى السلطة والمقربة من طهران إلى الخروج النهائي لجميع القوات الأجنبية "باستثناء الإيرانية"، وهي خطوة سعت إليها إيران وحلفاؤها الإقليميون... لكن أليس للشعب العراقي الكلمة الفصل في أمر خطير يتعلق بمصالحه الوطنية وأمنه القومي؟