تزخر وسائل الاعلام الناطقة بالعربية بکم هائل من المقالات التحليلية المعتمدة في جوهرها على الحماسة والانفعال بخصوص الحرب الدامية الجارية في غزة، مع وجود نزر يسير من المقالات الموضوعية لکتاب وأقلام عربية تکتب بوحي من مجريات الواقع والمنطق، وهذه الحالة هي قطعاً حالة سلبية مهما سعى البعض إلى تبريرها بحجج ومسوغات مختلفة، لکونها تستمد جذورها من نقطتين: الأولى، إنها تعود إلى القاعدة المعروفة "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، والمتبعة منذ المد الناصري العروبي، أما الثانية وهي الأخطر والأهم، فإنها تعود للمد المفتعل والدخيل على المنطقة والذي مصدره نظام الملالي.

ما يجري في المنطقة منذ تأسيس نظام الملالي عبارة عن حالة شاذة وفريدة من نوعها لم يسبق أن طرأ مثلها خلال التاريخ المعاصر، والملفت للنظر في هذه الحالة أنها لا تسير کما کانت الحال مع المد الناصري والبعثي العروبي، الذي کان يدعو إلى محاربة الدول العربية الملکية تحديداً والتي کانت توصف في أدبياتهم بالرجعية والعميلة للإستعمار والصهيونية، بل إن هذا المد الطارئ يشکك في النظام العربي من أساسه، ويدعو الى تغييره، أما البديل فلکم في حزب الله البناني والحوثيين والأحزاب والميليشيات المسيرة بالريموت کونترول الذي بيد اسماعيل قاآني نموذجاً!

حرب حرکة حماس التي جاءت في فترة بالغة الخطورة والحساسية، لا يمکن لأحد القول إنها لم تتدحرج تفاحاتها إلى السلتين الروسية والإيرانية، لکن الذي يلفت النظر أنَّ السلة الروسية قد استفادت کثيراً مما جرى في غزة أيما استفادة، لکن يبدو واضحاً جداً أن السلة الإيرانية التي بيد خامنئي قد استفادت کما استفاد الروس، بل وحتى يبدو لحد الآن أن ما دخل سلة خامنئي أشبه ما يکون بکرات نارية حارقة لا تفاحات لا يعرف ماذا يفعل بها وکيف يتصرف معها.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

الضربة القاسية التي تلقتها وتتلقاها حرکة حماس من خلال حربها المفرطة في الانفعال والحماسة ليس صداها الحقيقي والأساسي في أنفاق حماس، وإنما في بيت خامنئي، الذي تلقى ضربة قاسية أخرى بما تلقاه ذراعه الحوثي في اليمن، کما أنَّ حزب الله المتردد والميليشيات العراقية ليسا في حالة أفضل، والکل ينظر إلى خامنئي وليس النظام الإيراني، لأنَّ النظام أساساً يختصر فيه، ليرون کيف سيرد على هذا التطاول الصهيوني ـ الاستکباري على أذرعه الواحدة تلو الأخرى؟

جيش العشرين مليون الذي طبل وزمر له نظام الملالي منذ عهد مٶسسه الخميني وهدد به "الشيطان الأکبر" و"الکيان الصهيوني"، لکن لم نجد لهذا الجيش من وجود ونشاط ودور إلا في بلدان المنطقة فقط، وما تلقته وتتلقاه بلدان المنطقة من هذا الجيش المليوني لنظام الملالي لم تتلقى إسرائيل 5 بالمئة منه لحد الآن، إذ أنَّ مزاعم خامنئي ونظامه بخصوص معاداة أميرکا وإسرائيل والتي سوقتها وتسوقها للعرب والمسلمين، لا يبدو أنَّها قد تلقت منه إلا الدخان من دون الطبيخ.

إقرأ أيضاً: هل ترغب إيران في إشعال صراع إقليمي؟

ماذا ينتظر خامنئي، بعد کل هذا الذي جرى ويجري منذ اندلاع الحرب المدمرة التي أشعلتها حرکة حماس؟ قطعاً طالما لم يتم ضربه، فإنه سيبقى شاغلاً العالم کله بصخبه وضجيجه التمويهي المغالي في الکذب والخداع، وطلما لا يجري توجيه ضربات له، فلا تثريب على ما يحصل لأذرعه، وقد وصفت في مقالة سابقة خامنئي ونظامه بشخصية "عباس" في احدى قصائد الشاعر العراقي أحمد مطر، وحقاً إنه کذلك!