يوافق الثامن والعشرون من يناير تاريخ تأسيس صندوق الأوبك للتنمية الدولية "أوفيد". وتمثل هذه المناسبة ذكرى غالية على نفسي، أتبادل حولها الذكريات والتهاني مع العديد من الزملاء الذين ينتمون إلى أكثر من ثلاثين ثقافة وتجمع بينهم أهداف نبيلة تعكس نظام "أوفيد" الأساسي، وتتمثل في توفير حياة كريمة للملايين من المستضعفين في العالم.

من بين تلك الذكريات عندما كنت في رحلة إلى هانوي، فيتنام في مايو 2011، لحضور اجتماعات بنك التنمية الآسيوي، حيث وقعت مذكرة تفاهم مع رئيس بنك التنمية الآسيوي هاروهيكو كورودا.

قال السيد كورودا مرحبا بي بأسلوب ديبلوماسي لا تخطئوه الحواس إنه يتساءل كيف تمكنت من خدمة مائة وثلاثين دولة نامية بفريق لا يتعدى 150 فرداً بينما ينحصر نشاط البنك الذي يرأسه في آسيا ولديه من العاملين حوالى 2500 فرد. قلت له إن الفضل يعود أولاً للدعم الذي أحظى به من حكومات الدول الأعضاء وخاصة حكومة بلادي التي تستحوذ على أكثر من ثلث رأسمال الصندوق، وثانياً لما يبديه الفريق الذي يعمل معي من حماسة فائقة في أداء الرسالة المنوطة به، ثم تفرع النقاش إلى علاقتي بالزملاء وعن التغيير الذي انتاب حياتهم ومستقبلهم بعد أن تشرفت بالانضمام للصندوق وتسلمت سدة الرئاسة، وعلاقة ذلك بما يبدونه من حماسة في أداء أعمالهم.

ختم السيد كورودا حديثنا بقوله يبدو أن رسالة "أوفيد" كما يوضحها النظام الأساسي وكما يفهمها وينفذها الفريق الذي يعمل معك هي شكل من أشكال الدفاع عن حقوق الإنسان. قلت له فعلا الأمر هو كما تفضلت.

تداعت هذه الذكريات إلى ذهني وأنا أتابع في صحيفة الرياض ما دار من جدل حول حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية وعلاقتها بأهداف التنمية المستدامة. يقول الخبر: “نظمت هيئة حقوق الإنسان بالتعاون مع البعثة الدائمة للمملكة لدى الأمم المتحدة في جنيف برعاية معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتورة هلا بنت مزيد التويجري حلقة نقاش حول ربط حقوق الانسان بأهداف التنمية المستدامة".

أود أولا أن أحيي معالي الدكتورة هلا التويجري والفريق الذي صاحبها على ما أبدوه من فطنة ومهارة في مناقشة موضوع حقوق الإنسان بأكمله في المملكة، وبشكل خاص علاقته بأهداف التنمية المستدامة.

وأضيف ثانياً أن دور المملكة الرائد في هذا المجال هو دور منشئ لا مقرر، عبرت عنه حكومة خادم الحرمين الشريفين مباشرة أو عن طريق الصندوق السعودي للتنميه أو صندوق أوبك OFID الذي تستحوذ على النصيب الأوفر من رأس ماله. ولعل ما سأضيفه الأن قد يحمل الفائدة للدكتورة التويجري في جولات قادمة.

كلنا يتذكر أجندة التنمية التي سبقت أهداف التنمية السبعة عشر والمعروفة بأهداف الألفية الثمانية (Millennium Development Goals - MDG) التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2000.

لقد أثار فضولنا في "أوفيد" الخلل الواضح في تلك الأجندة، إذ أنها خاطبت كل أوجه الفقر ما عدا فقر الطاقة.

من هنا بدأنا نستقصي الأسباب التي أسقطت هذا الهدف الأساسي في أي برنامج تنميه ولم نصل إلى سبب مقنع، الأمر الذي جعلني أقول لمن حولي من دون مواربة أن هذا نتاج طبيعي عندما يتولى الأغنياء إعداد أجندة الفقراء.

شرعنا في حملة إعلامية صارت حديث المنظمات المقيمة في فينا، وصفنا فيها الخلل في أهداف الألفية بالهدف التاسع المفقود وروجنا له من خلال الندوات والنشرات والشراكة مع مؤسسات الطاقه في العالم. وعندما انعقدت قمة أوبك الثالثة في الرياض في نوفمبر 2007، تلقينا توجيها تضمنه البيان الختامي (الذي أعدته المملكة) للبحث عن السبل الكفيله باجتثاث فقر الطاقة، ثم خصصنا مليار دولار للقضاء على هذه المشكلة. وعندما بدأت الأمم المتحدة في إعداد أهداف التنمية المستدامة (Sustainable Development Goals -SDG) في صيف 2011، أي بعد ثلاث سنوات من مناداة المملكة به، تضمنت الهدف السابع عن توفير الطاقة للجميع بعد أن أغفلته أهداف الألفية الثمانية.

إن ماقامت به المملكة من جهد نبيل نحو ترسيخ هذا الحق ضمن أهداف التنمية لهو أكبر واصدق مثل على التزام المملكة بحقوق الإنسان الأساسية، وأهمها العمل على توفير طاقة نظيفة لملايين الفقراء في آسيا وافريقيا.

إنني أهيب بالقائمين على سجل المملكة المشرف من حقوق الانسان أن يأخذوا هذا المثل الموثق كدليل ناصع على التزام المملكة بحقوق الإنسان والدفاع عنها على نحو سبق الأمم المتحدة. وأخيراً، أذكّر القارئ ومن يهمه الأمر أن معالي وزير المالية محمد الجدعان قد استشهد في دافوس بأمثولة الكيك والخبز لتصوير فقر الطاقة كأحد الشواهد على ما تعانيه بعض الشعوب في إفريقيا من حرمان وفقر مدقع.