يختلف السوري مع أخيه على شكل مخيمات النزوح، وعلى تأييد ثورة ضد الظلم والنظام الفاسد، ثم يقتتلان على منح الإيراني جنسية سورية وحق تملك عقاري، ومن ثم يناقشان بغضب القصف الإسرائيلي المتواصل وانتهاك السيادة اليومي والاحتفاء بحق الرد للمرة المليون، وبعدها ينتقلان للخلاف حول أعداد المهجرين والقتلى والجرحى من السوريين على يد نظام كان من المفروض أن يحميهم جميعاً، ثم يتشاجران حول منصات المعارضة ومواقعها وتسمية المرتزقة من قياداتها بألقاب وصفات لا تمت بصلة إلى الواقع السوري المبعثر بين روسيا وايران وإسرائيل ونظام الأسد.
أمَّا اليمني، فيقاتل في البحر الأحمر نيابة عن إيران، ويعتقد أنه يساند غزة، ثم يذبح أخيه في تعز، ويدمر الحديدة بتجارته الخاسرة مع الولي الفقيه، ثم يأتي بالقات ليوزع في أسواق اليمن ولاءات لغير اليمانيّ ولغير بلاد سبأ وقلاع مأرب وجمال سواحل عدن. ويناقش الحوثي أبناء اليمن في أمور التشيع والقرصنة وحيازة المسيرات القاتلة لأبناء اليمن ولاقتصاده واستقراره، وبعد ذلك يطلب الموت لأميركا ولإسرائيل وهو متنكر في زي إمرأة يمنية محجبة ليفلت من قبضة العقاب يوم لا ينفع الندم.
إقرأ أيضاً: انتقد حماس أو إيران.. فتصبح من "الصهاينة العرب"!
وذلك اللبناني المسكين يهتف للمقاومة وثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، ثم يناقش أخيه مع تسديد فوهة البندقية إلى رأسه ليطالبه بالسكوت عن حرب يدخلها دون إذن، ليورط البلاد في حرب دفاعاً عن قضية فلسطين، التي لم تعد بحاجة له ولا لغيره منذ عقود، ثم يأتيك ليطالب بالعيش المشترك وحماية السكان من أتباع مذهبه في بلدات المذاهب والطوائف الأخرى بحجة أنصر أخاك... وفي وقت لا يجد اللبناني دولاراته في المصرف، فذاك الأخ غير الشقيق يصرف دولارات "فريش" دون حساب ليشكر المرشد الأعلى على كرمه وعطاياه لحفظ المقاومة التي توجه بندقيتها وسطوتها على رؤوس اللبنانيين قبل العدو الغاشم.
أمَّا عن الفلسطيني فحدث ولا حرج، فهو يقاتل طواحين الهواء ويختلف مع أخيه حول وطنية وإسلامية حماس وعلمانية فتح والشعبية والديمقراطية، وفي حين يحاول الفتحاوي قبول العدل الممكن ويتحدث مع الإسرائيلي المراوغ، يتحالف الحمساوي مع فيلق القدس الإيراني للوصول للمطلق وتحرير العالم من الكفار والمشركين، ويهاجم إسرائيل في عقر دارها، ثم يجد نفسه وحيداً أمام الدمار والقتل والتشريد ليدخل أنفاقاً بناها بأموال أبناء شعبه لتحميه وحده دون أخوته في الدين والوطن والقضية، حيث يقول له الإيراني إلعب وحدك.
العراقي قصة أخرى، حيث يموت الناس جوعاً في بلاد الرافدين وتخرس نايات ألحان الصبا أمام الصواريخ والمسيرات والقتل والتدمير وسط خلاف حول ما حصل في كربلاء قبل أكثر من 1400 عام، حيث تكثر الفوضى وينتشر الفقر ويسود المشعوذون أصحاب الهلوسات، وتكثر الاتصالات بجوالات الثريا مع المهدي ومع الحسن والحسين ووالدهم من جنات الخلد ويقتل الأخ أخاه وتنقسم البلاد وتسيطر المليشيات والحشود على المشهد في بلاد ما بين النهرين والتي كانت لعقود منارة الثقافة وبلد القراءة والإنتاج الثقافي المتنوع والمتعدد المشارب والينابيع الزاخرة بتراث الأجداد والأولين.
إقرأ أيضاً: ابن "المؤرخ" بن تسيون نتانياهو ودولة اليهود
الجزائر لا يختلف وضعها عن أختيها ليبيا والسودان في التشرذم والانقسام، وسط خلافات الأخوة في السيطرة على المال والجاه والحكم والارتهان لأجندات بعيدة كل البعد عن مصالح الناس وتطوير البلاد. وفي تونس الخضراء يبس الزرع وسط خطابات رنانة من رئيس ملم باللغة والقانون، جاء بعد انتخابات قيل عنها نزيهة لينقذ، فأصبح يبحث عن منقذ من تبعات ما فعل وما بدل وغير في الدستور لحماية كرسيه ومنصبه.
من جهة أخرى نجد السعودي إن اختلف مع أخيه، فحول مشروع نيوم أو "ذا لاين"، وكيف ستكون حال البلد في 2030، وكيف يمكن تطوير السياحة في العلا وعسير وعلى شواطئ البحر الأحمر وبناء المرافئ ومناطق صناعة الاقتصاد ورفاهية العباد على مسرح محمد عبده أو عبادي الجوهر.
الإماراتي مشغول بتطوير مشاريع محمد بن راشد ورؤية محمد بن زايد، ومنح البلاد المزيد من الرقي والازدهار من جزيرة ياس إلى برج خليفة وجزر المرجان، وصولاً إلى الثقافة والعلم في الشارقة وباقي الإمارات.
والقطري يستضيف كأس آسيا بعد نجاح رهيب لاستضافة أكبر حدث في العالم وهو المونديال، وسط نهضة عمران وبناء ورفاهية المواطن والمقيم.
إقرأ أيضاً: الرياض لتل أبيب: لا عودة لمفاوضات التطبيع قبل وقف النار
في هذا الأوان، يحاول المصري جذب استثمارات العالم لمشاريع البحر الأحمر وتطوير سيناء والمدينة الإدارية، ويوسع قناة السويس ويطور نواحي السياحة في أهرامات الجيزة ومعابد الأقصر، وحتى وإن كانت هناك بعض العقبات، فهو مع أخيه يتخطاها بعزم وإرادة.
الأردني يشجع الوحدات وشقيقه يشجع الفيصلي، والاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، ويتكاتف الأخوة من أجل البلد وسط تجاذب القوى الإقليمية ومحاولات الجار السوري إغراقه بمخدرات النظام السوري وسلاح طهران، ويبقى الأردني مع أخيه حامياً صامداً في وجه هؤلاء.
والمغربي وإن اختلف مع أخيه في الصحراء الغربية، يبقى مغربياً أصيلاً مرابطاً في داره البيضاء مثل قلبه لينعش بلاده سياحياً واقتصادياً، حيث تستمر المشاريع الاستثمارية في التدفق إلى البلد من كل حدب وصوب.
هذه هي حال البلدان العربية من العراق إلى المغرب، وهي تمثل صراعاً بين الولاءات الخارجية التي تؤدي إلى الموت والقتل والدمار، وبين أصحاب العقل والحكمة في إدارة البلاد والتطوير والبناء والازدهار.
التعليقات