يخلع بنيامين نتانياهو في حرب غزة قناع رجل السلام والتسويات، ويظهر على حقيقته التي نعرفها، وأراد العديد من الاخوة تجاهلها، أو قل اعتماد النسخة غير الأصلية لنتانياهو.
نتانياهو يهودي يميني إلى حد التطرف، لا يؤمن بحق اي غير يهودي على ارض اسرائيل/فلسطين، فهو يعتبرها ملكا لشعبه الذي تاه عقودا اربع في سيناء وتشرد اعوامًا مؤلفة في اصقاع الارض من مشارقها إلى مغاربها. لإثبات ذلك، اقر قانون القومية الذي يجرد اي غير يهودي من حقه على الارض، وأثار حفيظة ابناء الطائفة الدرزية الذين يخدمون قسرا في الجيش الاسرائيلي.
نتانياهو الذي اعلن في بار ايلان 2009 موافقته على حل الدولتين لم يقصد سوى كسب ود وسط الساحة السياسية في اسرائيل وود اليسار الساذج، وهذا ما حصل. من يومها إلى الآن، قام بعكس ما اعلن فعادى الضفة وقيادة السلطة الفلسطينية وجفّف منابع دعمها، حتى خرجت تنظيمات مسلحة وشباب يائس للمقاومة من اجل التحرير ولقمة العيش، وقال لشركائه: رأيتم كيف يريدون قتلنا؟ كيف نصنع سلام مع هؤلاء؟
ثم سمح بتمويل حماس في غزة وتعظيم قوتها عبر الاموال القطرية وغض الطرف عن السلاح والصواريخ وكان يتمنى إطلاقهم الصواريخ على جنوبي إسرائيل كي يقول: "رأيتم، انا محق في كل ما قلته في كتابي "مكان تحت الشمس" حول الارهاب".
لم يقصد رئيس حكومة إسرائيل منذ عام 2009 وحتى الان يوما ان يتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، بل حاول ونجح في بعض الاحيان باستدراج دول عربية إلى اتفاقيات سلام لا تتضمن حلا جذريا لمسألة فلسطين، وكان يقول دائما في الإيجازات الصحفية، وكان كاتب السطور يشارك فيها، إن القادة العرب لا يريدون الفلسطينيين ولا يحبونهم ولا استطيع ان افصل ما يدور في أحاديثي السرية معهم". كان العديد من الزملاء يصدقون ويعتقدون ان الفلسطينيين سيتبخرون بعد التوصل إلى سلام مع الدول العربية كما كان يقول. أنا مثل الأمير بندر بن سلطان، لم اصدقه حينها ولا قبلها ولا الآن.
نتانياهو يميني متطرف، وفي هذه الحكومة التي شكلها هو في افضل حالاته وأحسنها اذ اخيرا لديه حكومة يمين خالصة بلون واحد يستطيع معها تحقيق حلمه بضم الضفة الغربية وقطاع غزة ونفي الفلسطينيين إلى اصقاع الارض بعد دمغهم بالارهاب والداعشية.
نتانياهو لا يمزح عنما يقول انه يبحث مع بعض الدول استضافة لاجئين فلسطينيين من غزة والضفة، فهو ابن بن تسيون نتانياهو "المؤرخ" وأحد قادة اليمين والذي عارض إعلان دولة إسرائيل في عام 1948 بموجب قرار التقسيم والذي استقى منه دافيد بن غوريون حق إعلان الدولة اليهودية لانه، اي بن تسيون نتانياهو، يؤمن بدولة واحدة لليهود من البحر إلى النهر واذا استطاع فمن النيل للفرات.
نتانياهو الابن يمشي على خطى والده، وكل امر غير ذلك فهو للمناورة السياسية، داخليا وخارجيا.
عندما نقرأ نتائج استطلاعات الرأي في إسرائيل نستدل أمرين في غاية الاهمية: الاول، أغلبية الشعب، اليهودي تحديدا، يرفض استمرار نتانياهو في الحكم، واذا أضفنا العرب في اسرائيل فالنسبة ترتفع إلى نحو السبعين في المئة؛ اما الامر الثاني فهو ان الأغلبية المطلقة لمؤدي نتانياهو تأتي من اليهود الشرقيين، المغاربة تحديدًا، الذين يبدون خلال الاستطلاعات كراهية وحقدا على العرب والفلسطينيين من دون سبب.
في الحقيقة، لا يمكن فهم موقف المغاربة اليهود الذين حظوا وما زالوا بمودة ومحبة ومعاملة طيبة من المغرب شعبا وقيادة، فهل سيعودون إلى رشدهم ليتخلصوا من كراهية عمياء لم تجلب لهم ولبلادهم سوى الحرب والدمار وانعدام الامن.
يتحدث نتانياهو عن حرب غزة وعن اسبابها، وكأنه لم يكن رئيسا لوزراء اسرائيل منذ 2009، وانه فوجئ بما حدث، وان الجميع مذنبون وهو الوحيد القادر على إنقاذ اليهود ودولتهم من التطرف الاسلامي وارهاب حماس وايران وغيرها، لكن التظاهرات ضده وضد استمرار الحرب والمطالبة باستعادة الاسرى والمختطفين وتصريحات أعضاء في الليكود وآخرين في اليمين تشير إلى خلافات عميقة داخل حكومة اليمين وداخل حكومة الحرب والداخل الإسرائيلي. هناك امر واحد يوافق عليه الجميع: يجب التخلص من نتانياهو وحكومته بعد الحرب، والأفضل أن يكون الأمر سريعا، وسريعا جدا.
التعليقات