سجلٌ إجراميٌ حافلٌ للنظام الإيراني في المنطقة والعالم، يقابله صمت وتقاعس دولي مريب يكاد يكون أداة قهر إضافية للدول والشعوب، إذ يفسر هذا وذاك الصمت والتقاعس في الغالب لصالح الجناة الذين يأمنون العقاب فيسيئون الأدب ويتمادون في نهجهم العدواني التآمري. وهذا هو حال منطقة ودول وشعوب الشرق الأوسط، الذين وقعوا بين سندان المجتمع الدولي الصامت أحيانا والمتقاعس أحياناً أُخر ومطرقة نظام الملالي وميليشياته العنصرية المتسيبة هنا وهناك، وفي حين يعترف النظام الإيراني وقياداته وبعدة أشكال عن مسؤوليتهم عن الكثير من الجرائم والانتهاكات داخل وخارج إيران وعن تدخلاتهم السافرة في دول المنطقة، لا يزال المجتمع الدولي يدافع عن هذا النظام وجنوده ويتقاعس عن ردعه.

إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه

اعترفت قوات حرس نظام الملالي في 20 تموز (يوليو) 2023 بجرائم عديدة ارتكبتها في حق الشعب الإيراني والدول الأخرى وآخرها الاعتراف بالتورط في التخطيط غير المسؤول لعملية طوفان، هذا بالإضافة إلى اغتيال العديد من المعارضين السياسيين الإيرانيين من بينهم الدكتور عبد الرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وشابور بختيار آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه في باريس عام 1991، واغتيال الدكتور المناضل كاظم رجوي ممثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في سويسرا وشقيق زعيم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، كما اعترفت بدعم الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وفصائل فلسطينية وآخرين حول العالم، وقد ساعدت قوات حرس نظام الملالي هذه الجماعات في التخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية أسفرت عن مقتل مئات الأبرياء؛ فضلاً عن اعترافاتها بما قامت به من هجمات إرهابية من بينها تفجيرات السفارة الأميركية في بيروت عام 1983، التي أسفرت عن مقتل 63 شخصاً، وتفجيرات مقر قيادة قوات التحالف في بيروت عام 1983 التي أسفرت عن مقتل 241 شخصاً، وتفجيرات السفارة الإسرائيلية في بوخارست عام 1986 التي أسفرت عن مقتل 16 شخصاً، وتفجيرات مقر قيادة القوات الأميركية في الكويت عام 1983 التي أسفرت عن مقتل 27 شخصاً، كما اُدينت بالانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان في إيران من بينها التعذيب والاعتقال التعسفي والإعدامات خارج نطاق القضاء، ومن بين أبرز هذه الانتهاكات التي أثبت المؤسسات الدولية صحة وقوعها: التعذيب في السجون الإيرانية الذي يشمل الضرب والصعق بالكهرباء والتهديد بالاغتصاب... الاغتصاب الذي أصبح وسيلة تعذيب ممنهجة داخل المعتقلات والسجون الإيرانية، ومن بين الانتهاكات أيضاً الاعتقال التعسفي للمتظاهرين والمعارضين السياسيين.

إقرأ أيضاً: الجيش السابع الذي تخشاه إيران

أمَّا في ما يتعلق بأحكام الإعدام، فهي ليست سوى عمليات قتل حكومي خارج نطاق مبدأ وقيم القضاء إذ تُجرى في العادة دون محاكمة عادلة؛ وتأتي الاعترافات النصية والضمنية لقيادات حرس نظام الملالي بجرائمها في إيران ودول المنطقة بعد سنوات من التكهنات والاتهامات، وتشكل هذه الاعترافات خطوة مهمة على طريق تحقيق العدالة للضحايا ومواجهة منهجية الإفلات من العقاب، وعلى الرغم من أن الاعتراف هو سيد الأدلة إلا أن المجتمع الدولي ينظر إلى جرائم نظام الملالي على أنها قضية فيها نظر.

التداعيات المفترضة لاعترافات قوات حرس نظام الملالي الإيراني
كان من المفترض نتيجة لهذه الاعترافات أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات عقابية صارمة ضد النظام الإيراني وأدواته الإرهابية في الداخل الخارج، بما في ذلك فرض المزيد من العزلة الدولية على النظام الإيراني واتخاذ إجراءات عسكرية رادعة ضده. وعلى الجانب الآخر تأتي هذه الاعترافات مقوضة لمصداقية نظام ولاية الفقيه في إيران بالمجتمع الدولي مما يجعل من الصعب عليه تحقيق أهدافه السياسية والدبلوماسية، كذلك من المفترض أن تؤدي هذه الاعترافات إلى دفع المجتمع الدولي نحو زيادة الدعم والإسناد للمقاومة الإيرانية والمطالب المشروعة للشعب الإيراني بشأن إقامة دولة ديمقراطية ترتكز على قيم العدالة الاجتماعية ونبذ العنصرية والتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

على أقل تقدير، كان من المفترض على الشرعية الدولية أن تأخذ اعترافات قوات حرس نظام الملالي كقاعدة قانونية ترتكز عليها في تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية، ذلك التصنيف الذي رفضته الحكومات الأوروبية في حين أقر البرلمان الأوروبي ذلك بتصويت الأغلبية، علماً أنَّ أوروبا كانت وما زالت مسرحاً لأنشطة النظام الإيراني الإرهابيَّة، وكان آخر تلك الأنشطة محاولة اغتيال النائب السابق لرئيس البرلمان الأوروبي البروفيسور ألخو فيدال كوادراس.

ماذا ينتظر من المجتمع الدولي بعد محاكمة حميد نوري
أُدين المدعو حميد نوري الذي كان يشغل منصب نائب المدعي العام المساعد في سجن جوهردشت بارتكاب جرائم جرائم خطيرة وفقاً للقانون الدولي وقد حُكِم عليه بالسجن المؤبد من قبل القضاء السويدي، وتعتبر هذه القضية وهذه المحاكمة تاريخية ذلك لكونها أول محاكمة لأحد المُدانين في مجزرة الإبادة الجماعية للسجناء السياسيين صيف سنة 1988. وما أدرانا، لربما تكون هذه المحاكمة بداية أوروبية إيجابية إذا نجا الأمر من سياسة المساومة والابتزاز التي دأب النظام عليها كما حدث في قضية محاكمة الدبلوماسي الإيراني الإرهابي في بلجيكا، حيث حُكِم بالسجن عشرين عاماُ وتمت المساومة عليه، وبعد محاكمة حميد نوري وتأكيد حكم السجن المؤبد بحقه، لربَّما تتخذ الدول والمنظمات الدولية إجراءات إضافية تشمل، على سبيل المثال، فرض عقوبات إضافية على النظام الإيراني أو أفراد وجماعات مرتبطين به.

إقرأ أيضاً: أهمية إدانة أحد مرتكبي مجزرة عام 1988 في إيران

نعم هناك إشادات بما قام به القضاء السويدي عندما أدان نوري بعد جلسات محاكمة مطولة... لكننا نتحدث عن نظامٍ مارس ويمارس العدوان والإرهاب وإثارة الحروب ونشر المخدرات والتدخل في شؤون الدول كمنهج له، وقد آن الأوان أن يتخلى المجتمع الدولي عن سياسة الكيل بمكيالين وغض البصر والتقاعس بشأن ما يقوم به نظام الملالي من خرق للقانون الدولي وقتلٍ للأبرياء داخل وخارج إيران.. فهل يحتاج المجتمع الدولي أدلة فوق الاعتراف؟ وماذا ينتظر لحماية ما أقره من قوانين.