حدثني أحد الشخصيات البارزة في جلسة صيفية في أحد الأماكن الرائعة في العاصمة عمّان عن السبب الذي أدى إلى تحول أغلب المعارضين في الأردن إلى الموالاة للملك والانتماء للوطن. أسهب في حديثه فأهشني، وآثرت أن أنشر كلامه للفائدة العامة. يقول الرجل: عندما تدخل في دهاليز المعارضة وتعرف نواياها وأجنداتها ومهنها وأصولها ونشأتها الاجتماعية، تدرك جيداً أنك لا تنتمي إلى صفوفها. سيصبح لديك رفض تلقائي للفكرة، شاعراً أن هؤلاء البشر لا يشبهوننا كأردنيين، كأبناء عشائر وقبائل كانت الأساس في تأسيس الدولة. يقفز إلى ذهنك وأنت تجلس معهم أنهم يشبهون من دمروا العراق وجاءوا يوماً على ظهر دبابة أميركية، لو أتيح لهم. هؤلاء يشبهون من أشعل الحرب في السودان بين (حمتي) و(البرهان)، وأقرب إلى من تصارعوا على السلطة في خراب سوريا، لو قيض لهم. بل إنهم يشبهون صراع حماس والسلطة الفلسطينية على الحكم في فلسطين تحت الاحتلال وقبل التحرير.
إقرأ أيضاً: سياق التاريخ ومصير العرب الحتمي
أدهشني هذا القول، وحاولت الاستزادة منه. سألته كيف استطاع، وهو في سن قد تجاوز الستين، على تحصيل كل هذه التجارب؟ فأخبرني أنه كان شيوعياً، ثم تحول إلى الحركة الإسلامية، ثم أصبح مع القوميين العرب، وبعد ذلك أصبح مستقلاً. لم يترك مظاهرة أو اعتصاماً إلا واشترك فيهما. كان ممن يتبنون نظرية زوال الأردن أو ذوبانه. ولكن بعد أن تأكد له بالبرهان أن الأردن دولة ليست مؤقتة، وليست دولة وظيفية كما كان يروج عنها، توصل إلى حقيقة أن هذا النظام الهاشمي العروبي هو النظام الأكثر تسامحاً بين الأنظمة العربية. الشعب الأردني بقبائله وعشائره هو الأكثر تسامحاً ومحبة للغريب، وبفطرته يميل إلى مناصرة الضعيف وإغاثة الملهوف وجبر عثرة المكسور. الأيام أثبتت في المئة سنة الماضية من عمر الدولة أن هذا الوطن أكبر من الجميع، وأن الشرف كل الشرف أن تكون إلى جانب الدولة والنظام، لا إلى جانب ناعقي الخراب والباحثين عن الشهرة على حساب الأوطان. المرء يخجل من أن يكون في صفوفهم لا بصف الدولة.
إقرأ أيضاً: هكذا فشلت الشيوعية
عند انتهاء الجلسة، ودعت ضيفي الكبير ورأسي يضجّ بالهواجس والأفكار. ما زلت في مقتبل العمر الدراسي والسياسي والعملي، وأيقنت أن هذا البلد محمي بأهله وبرعاية الله. أخذت أتأمل في كلامه، وإذ بنشرات الأخبار على قنوات التلفزة تبث أن خلية إرهابية تمكنت من تخزين متفجرات في ماركا، وأن سلاح الهندسة الملكي قام بالتعامل مع المتفجرات وفجرها في مكانها دون أن يصاب أحد بأي أذى، بعد ترحيل السكان المجاورين والحفاظ على سلامتهم. علمت حينها أن المعارضة تبدأ بشكل تنظيري وتنتهي بشكل تفجيري، والعياذ بالله.
حفظ الله الأردن وقيادته وأهله الطيبين.
التعليقات