يعد النهج الماركسي بشقيه الاجتماعي السياسي المتمثل بالشيوعية والاقتصادي المتمثل بالاشتراكية أقرب إلى المثالية من خصمه الأزلي الرأسمالي الليبرالي. وما استلهمه لينين من هذا النهج في ثورته البلشفية في وجه القياصرة الروس مطلع القرن الفائت هو مثالية أفكار ماركس في تأسيس دولة متكاملة الأركان لا يظلم فيها أحد، وهذا على عكس واقعية النهج الليبرالي الرأسمالي المتمثل في إعطاء كل ذي حق حقه دون أي عواطف، وهذا ما يستدعي من الباحث التفكير في كيفية فشل الشيوعية، مع أنها الأقرب إلى الكمال والأكثر تعاطفاً مع الطبقات الفقيرة التي تشكل الأغلبية العظمى في معظم دول العالم.

في الحقيقة، هنالك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى فشل أي نظرية مثالية حول العالم، سواء أكان في السياسة أو الاقتصاد أو غيرهما، ولكن ربما كان من أسباب فشل الفكر الماركسي على وجه الخصوص في أي دولة اتبعته منهجاً، أو فشله كفكر عام، هو معاداته العلنية للدين والعقائد، وهذا ما شكل صدمة لأتباعه عند اعتناق هذا الفكر، فشعار "لا إله والحياة مادة"، كان احد أبرز معوقات انتشار الشيوعية أو الفكر الماركسي، مع أنه جاء تبعاً للعلمانية التي نشأت في أوروبا قبل نشوء الماركسية بفترة ليست بعيدة، إلا أنَّ فصل الدين عن الدولة كان ذا فائدة عامة على الدول الأوروبية، وبالأخص فرنسا، التي أرهقتها الحروب الدينية.

إقرأ أيضاً: سياق التاريخ ومصير العرب الحتمي

إنَّ التطرف الشديد الذي اشتمله النهج الماركسي في مناصبته الدين العداء أدى إلى ضعفه، على نقيض الفكر الرأسمالي الليبرالي الذي لم يتطرق إلى الدين، فلم يعاده ولم ينطلق منه، مع اعتناقه نفس المبدأ تقريباً ولكن ليس بشكل علني، الأمر الذي أعطاه أفضلية في أن تتقلده أغلب الدول التي تعترف بالدين كأساس للحكم منفصل عن السياسة، مثل بعض الدول العربية الإسلامية والتي أخذت من الماركسية اللينينية الفكر الاشتراكي كمرشد لها، وتشكل سوريا مثالاً، أما ما نراه في الولايات المتحدة الأميركية المتربعة على رأس الهرم في النظام السياسي الدولي الحديث، ومع أنها عرابة الرأسمالية في العالم، إلا أن شعارها ما زال In God We Trust، وذلك لأن هذا الشعار يرضي ملايين المواطنين الأميركيين المعتنقين للدين، على عكس الصين التي لم تحظ بمكانة الولايات المتحدة رغم اقتصادها العظيم، وذلك لأنها دولة لا دينية، فالدين يبقى من أهم ركائز أي دولة مهما تطورت وازداد نفوذها، إذ يجعل الدولة متوازنة لأنها ذات مرجعية إلهية، الأمر الذي يعبر عن الأخلاق الرفيعة والمبادئ النبيلة للدولة بدوره.

إقرأ أيضاً: سوناك وترحيل اللاجئين

في الآونة الأخيرة، صار الدين واحداً من أقل العوامل تأثيراً في السياسة في نظر أغلب المفكرين، ولكنه باعتقادي سيبقى العامل الأهم في أي شأن سياسي، وذلك لأن أغلب الحروب المستعرة في العالم اليوم ذات طابع ديني، والدين منذ الأزل سبب للعداء، حتى بين أطراف ينتمون إلى الدين ذاته، لأنه يعتبر الطريق الأمثل لاكتساب السلطة وفرضها على الآخرين، منذ أن ادعى فرعون ألوهية في مصر القديمة، إلى أن أصبح أقرب الناس نسباً للأبياء والرسل هم الأقرب لله وبالتالي الأقرب للحكم، وهكذا نجح الدين في فرض هيمنته على كل المناحي.

إقرأ أيضاً: ماذا تريد إيران؟

على الدولة أن تحترم الديانات وحتى وان لم تعتنقها، وتترك للفرد حرية اعتناق معتقداته بشرط ألا يسيء إلى معتقدات الآخرين، فكل من ناصب الدين العداء انتهى بالزوال والفشل، ولنا في ذلك العبر الكثيرة منذ أقدم العصور، وهذا لا يعني أن تصبح الدولة دينية بشكل كامل، لأننا رأينا الفشل أيضاً في مثل هذه التجارب، فالحياد هي السبيل الأنجع مع الدين في أي نظام سياسي، ولا عزاء للفكر اليساري الذي مات قبل أن يحيا.