يحار المواطن العربي ماذا يصنع مع ايران: أيحبها أم يكرهها؟ لقد ارتسمت لثورتها في مخيلته صورة "الشيطان الأكبر في المنطقة العربية"، وبات يرى أنها تريد تصدير الثورة إلى الدول العربية. وكانت نتيجة هذا التأزم العربي الفارسي الحرب العراقية الإيرانية التي أكلت الاخضر واليابس، وخلفت مليون ضحية من الجانبين، وانتهت تماماً حيث بدأت.

أقنعت الولايات المتحدة الأميركية العرب جمعياً أن إيران هي العدو الأكبر، وأنها ستمتلك قنبلة نووية تهدد بها العالم العربي، وسوف تسيطر عليه. وزينت أميركا للعرب أن إسرائيل، ربيبة أميركا، هي الحضن الدافئ للعرب في مواجهة الشر الإيراني، وللأسف اقتنع بعض العرب بهذه الخديعة، واستدار جلهم لإقامة علاقات مع إسرائيل، منها ما هو باتفاقيات مع ترسيم للحدود أو تبادل للأراضي بالنسبة لدول الطوق، ومنها تحت بروتوكول ابراهام، ومنها تحت الطاولة، على قاعدة أن كل من يتقي شر إيران بقوة إسرائيل تحميه قوة الراعي الأميركي.

جاءت حرب غزة لتكشف الوجه القبيح لإسرائيل وأميركا والغرب المتصهين، ولتري العرب الذين هرولوا نحو إسرائيل أنهم هرولوا نحو السراب، وأن من أجرم بغزة ودمرها تحت الغطاء الأميركي، يمكن له أن يدمر بقية الدول العربية المهرولة إذا شعرت أميركا أن ثمة من يمكن أن يهدد أمن إسرائيل. إذن، أميركا وإسرائيل تريدان دولاً عربية خانعة مقابل الحماية، أو أن يذهب العرب نحو إيران طلباً للحماية من إسرائيل وأميركا، وتصبح تلك الدول مسرحاً لميليشيات الحرس الثوري الإيراني والعصائب الشيعية المسلحة، كما هو الحال في أربع دول عربية (سوريا، لبنان، العراق واليمن) شبه محتلة من إيران.

ماذا يصنع العرب؟ لقد أصبحوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فمن الغرب إسرائيل وأميركا والغرب المتوحش، ومن الشرق المد الشيعي في إيران والدول شبه المحتلة من قبلها. كان أغلب المثقفين العرب ينتظرون بروز نجم دولة عربية في سماء العالم العربي، لتقود هذا الجمع بإمكانياته المذهلة والضخمة بعد أن دمر العراق وودمرت سوريا، فكانت العين على السعودية أن تقود العالم العربي نحو بناء كيان ضخم يواجه هذين القطبين المتربصين بالعرب، وعلى مصر لعلها تقوم من كبوتها، إلا أن مصر ترزح تحت مديونية هائلة وفقر شديد، فماذا يصنع العرب اليوم؟

تستضيف العاصمة طهران حالياً مؤتمراً موسعاً لنصرة فلسطين، وتقول على لسان الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي إن أميركا وإسرائيل هما الشطيان الأكبر، ويحضر هذا الاجتماع ممثلو أغلب دول العالمين الإسلامي والعربي، فماذا تريد إيران من المؤتمر؟إنها تبحث عن السيطرة على واقع العالم العربي والإسلامي كقوة مهيمنة لها أذرعها في الخليج العربي والشام وقنوات الملاحة الدولية وفلسطين، وتجاهر بعدائها لإسرائيل وأميركا في "عنتريات" صنعت بريقاً وهاجاً لإيران عند بسطاء العرب، لأن من صفات العرب حبهم لكل من يعادي أميركا وإسرائيل، وعليه فإنَّ المواطن العربي أصبح في حيرة من أمره: أيتبع إيران الشيعية المتغطرسة التي تعادي أميركا وإسرائيل، أم يبقى في الحضن العربي الذي يبحث عن من يحميه.