تفرعت حرب غزة نحو جنوب البحر الأحمر، وصولاً لمضيق باب المندب وخليج عدن، الممر المائي الدولي الذي يصل بحر العرب بالبحر الأحمر وصولاً لقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط ثم دول أوروبا. وقصف السفن التجارية الإسرائيلية وغيرها بهدف إيقاف حركة التجارة العالمية من قبل ميليشيات الحوثيين في اليمن وضع المنطقة في حالة طوارئ قصوى، بل دفع الولايات المتحدة إلى إنشاء قوات تحالف من عشر دول هي أميركا وبريطانيا وفرنسا والنرويج والبحرين وكندا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وجزر سيشل، وتتجمَّع الآن البوارج والأساطيل قبالة اليمن لحماية السفن التجارية القادمة من الصين ودول آسيا، وربما تتولى مهمة الحرب على الحوثيين والقضاء على تهديداتهم في الخليج العربي والبحر الأحمر.

كشفت حرب غزة عن قدرة إيران ومرونتها في تحريك أذرعها الممتدة من تخوم البحر الأبيض وغزة إلى جنوب البحر الأحمر. وإذا كانت القوات الأميركية والتحالف الدولي يتعاملان بظرفية الممنوع المسموح لأنشطة الفصائل المسلحة التابعة لإيران في سوريا والعراق ومعالجتها بحسب ضرورات الحالة، فإنها لا تسمح مطلقاً بالمساس بموضوعات مثل مصادر الطاقة والتجارة الدولية وطرقها البحرية وما يهددها من إرهاب يرتبط بمشروع سياسي لهذه الدولة أو ذاك المحور. ومع بدء إطلاق أول المسيرات والصواريخ الحوثية ضد أهداف بحرية في البحر الأحمر، شخصت الأبصار محذرة من توسع الحرب نحو خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

كان سياق الحرب في غزة، حال استمرارها، يستدعي أن تفتح الجبهة اللبنانية بناءً على فكرة وحدة ساحات المقاومة أو الجبهات التي اشتغلت عليها إيران وفق إستراتيجيتها الدفاعية، وجاء التصعيد الحوثي لأنه أقل كلفة من تدمير لبنان في حال فتحت الجبهة اللبنانية، وبدأت الحرب تأخذ مداها الواسع بين حزب الله وإسرائيل.

هل ستكون اليمن الضحية الثانية بعد غزة في مسار التحديات الإيرانية لإسرائيل وأميركا؟ الواقع الكارثي الذي آلت إليه أوضاع غزة من قتل وإبادة جماعية وآلام وقصص مأسوية، تجعل اليمن يعود إلى القرون الوسطى، سيما أنه تعرض للإهمال وعاش التخلف بعد سنوات طوال من حروب داخلية وخراب وتدمير وأزمات حياتية وخدمية ونفسية تسببت به سيطرة الحوثيين على مدن اليمن، المتخلف أصلاً جراء الصراعات السياسية بين القبائل المتصارعة على السلطة منذ عقود مضت.

السؤال الآخر الذي يشغل المتابعين لحوادث البحر الأحمر وأنشطة الحوثيين، لماذا هذا التجحفل الدولي الهائل في مواجهة ميليشيات لا يمكن لها أن تبلغ مستويات استعداد وتجهيز وتسليح متقدمة. أهو الحذر من تدخل إيران مثلاً؟ أم اشتراك أطراف دولية تخشى هيمنة التواجد الأميركي ووضع المنطقة تحت احتلاله المطلق؟

باستثناء مملكة البحرين، فإنَّ دول مجلس التعاون الخليجي لم تشارك في تحالف القوات الدولية لحماية طرق التجارة والطاقة البحرية، طالما أنها معركة واجهتها الحرب ضد إسرائيل، بينما غاطسها صراع إيراني - أميركي ومحاولة إيجاد توازن رعب بين أميركا وإيران في الشرق الأوسط. وليس بعيداً عن الذاكرة السياسية للمملكة العربية السعودية عندما خاضت الحرب ضد الحوثيين الذين كانوا يوجهون صواريخهم ضد المدن والمنشآت السعودية، وقد دفعت المملكة كلفتها باهظة من دماء وأرواح أبنائها ومقدراتها المادية، ولم تتدخل القوات الأميركية حتى لحماية المنشآت النفطية، واكتفت ببيانات التهديد والوعيد الفارغ، لكنها تدخلت حين أصبحت الأنشطة الحربية للحوثيين تستهدف المصالح الإسرائيلية والتجارة الدولية عبر هذه الممرات الحيوية، بمعنى أنها ليست حرب السعودية ضد الحوثيين، بل حرب مصالح العالم لأنها تتعرض للتهديد.

إن دخول الحوثيين على خط الحرب على غزة لن يكون لصالح الفلسطينيين، ولن يخفف من مآسي غزة، بل سوف يضر بها كثيراً، وسيمثل عبئاً إقليميآً لن يجلب سوى المزيد من الخراب والتدمير لليمن والمنطقة، التي سوف تنال قسطاً من هذا التدمير العرضي، كما ستجذب الاهتمام الإعلامي والسياسي نحو حرب اليمن بالدرجة الأولى، لتغيب وقائع الجرائم التي ترتكب في غزة عن دائرة الاهتمام العالمي، وتتوارى خلف أمواج نيران الخليج، تماماً مثلما أصبحت حرب روسيا وأوكرانيا شبه منسية بعد اندلاع حرب غزة وانشغال العالم بتداعياتها ومحاولات إيقافها.