لعل لغز الحياة القصيرة والمؤقتة لا يزال محيراً بكل أبعاده المادية واللامادية والحدسية. لكن الكل متمسك بحياة لن تدوم لأحد أبداً، وعند البعض أضحى هذا التمسك يميل إلى الجنون في الكثير من الوقائع والشواهد التي يصعب الخوض في تفاصيلها، إلا من رحم ربك.

بيد أن الغريب في الأمر هو سنة الله عز وجل في هذا الخلق، التي لا تأخذ العبر، بغية ترك مساحات كافية ليعيش ويتعايش معها الجميع في إطار من الاحترام والتضامن والتعاضد. فما دام الكل يتمسك بالحياة، فإن الروح التي خلقها الله عز وجل، والتي لا نعلم عنها شيئاً، هي متأكدة وجازمة بأنها ستبقى في أبعاد أخرى غير مادية، بعد تلاشي الجسد في التراب وغير التراب. هكذا أعتقد، وهكذا يبدو الأمر!

ولعل الأحداث التاريخية ووقائع الحضارات القديمة، من الحضارة المصرية القديمة إلى الحضارات الغابرة في الزمن، أو حضارتي الأزتيك والمايا في المكسيك والبيرو، لدليل على اللغز الذي حير الجميع حول ماهية الروح التي هي من أمر الرب عز وجل، كما أكدت جل الديانات السماوية. الانتقال من عالم مادي إلى عالم غيبي كانت تقابله تلك الحضارات بطقوس متنوعة وغريبة، حتى أنها كانت صادمة في بعض الأحيان. ففي مصر القديمة، كان يتم دفن الخدم الأحياء بجانب الملك المتوفى اعتقاداً بضرورة الاستفادة من خدماتهم في العالم الأخروي، بحسب تلك المعتقدات التي سادت العديد من الحقب التاريخية والعصور الزمنية. حضارات كهذه تظل مليئة بالألغاز، ولم يستطع العلم حتى الآن فك جميع شفراتها.

علاوة على ذلك، تشير الدراسات العلمية الحديثة إلى ظواهر غريبة تحدث في دماغ الإنسان قبيل وفاته بدقائق معدودة، لا سيما في الجزء المتحكم بالخلايا البصرية والرؤى وغيرها. هذا دون الحديث عن أناس استفاقوا من غيبوبة طويلة وذكروا قصصاً أقرب إلى الخيال، وكأنهم كانوا في الحياة يرون ويسمعون.

إقرأ أيضاً: اليوم العالمي للغة العربية.. شموخ ونكسات

فقضية انتقال الروح من عالم المتلاشيات، الذي هو هذا العالم المؤقت، إلى عالم الدوام الغيبي، قضية استأثرت باهتمام كل الأديان والفلاسفة والمعتقدات. لكن الرأي الثابت والمؤكد هو أن حسم الإنسان نهايته أمر ساري المفعول، بيد أن الروح تبقى دائمة بدوام حياة أخرى لا يعلم أبعادها إلا خالق هذا الكون العظيم. ربما يكون صدق نظريات السفر إلى الماضي والمستقبل، بحسب علماء الفيزياء، دليلاً على أننا لا نموت إلا جسداً!