لا يمکن اعتبار الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران، انتخابات تقليدية کسائر الانتخابات الأخرى التي جرت على مرّ أکثر من أربعة عقود، بل إنها انتخابات ذات طابع خاص وطراز خاص لم يسبق أن واجه النظام الإيراني نظيراً لها.

معظم الانتخابات السابقة لم تٌجرى إلا بعد أن کان هناك توازن داخلي يعتد به للحکومة وقدرتها المعتد بها في مواجهة الشعب والاحتجاجات المندلعة، لکن هذا التوازن، وبعد مصرع إبراهیم رئيسي، لم يعد کما کان عليه، أو بالاحرى إنَّ مصرع رئيسي کان بمثابة ضربة قاسية للنظام وبرامج خامنئي، وتسبب في إضعاف كبير للتوازن الداخلي للحكومة وقدرتها على مواجهة الشعب والاحتجاجات، وهذه النقطة مهمة جداً ويجب أخذها بنظر الاعتبار.

الوضع السائد الآن في إيران، ليس في صالح النظام، وحتى إن قراء ما بين الأسطر في التصريحات والمواقف الصادرة من قادة النظام ومسؤوليه، تؤکد أنَّ الوضع حساس جداً، ولا يشبه الأوضاع التي کانت سائدة في السابق، وبهذا الصدد فإن أحد المسؤولين الحکوميين، ذو النوري، قارن الوضع الحالي بعام 1980 وقال إنَّ "الثورة الإسلامية مرت بأحداث مختلفة ومنعطفات خطيرة جداً". وادعى أنه "إذا كان النظام في عام 1980 عندما لم تكن الهياكل الرسمية والقانونية قد تشكلت بالكامل، قد استطاع تجاوز الأزمة، فإنه بعد وفاة رئيسي يمكنه تجاوز هذه الأزمة أيضاً". لکن هکذا مقارنة غير عادية تلفت النظر کثيراً، ذلك أنَّها توحي بأنَّ الاوضاع قابلة للانفلات، مع ملاحظة مهمة أخرى يجب أخذها بنظر الاعتبار وهي أنَّ الشعب الإيراني لم يکن قد کون نظرة بشأن النظام، وکان منبهراً ومندفعاً بشکل حماسي، لکنه الآن وبعد تجربة مريرة عمرها 45 عاماً مع هذا النظام، فإنَّ موقفه يختلف بزاوية مقدارها 360 درجة.

الذي يلفت النظر أکثر، أنَّ خامنئي ذاته، وفي رده على هذا الوضع في أحد مقالات موقعه بعنوان "الله عام 1980 هو نفس الله هذا العام"، قارن الوضع الحالي بفترة الثمانينيات من القرن الماضي وكتب: "إذا كان البلد قد نجا ونما في قلب تلك الأزمات والجراح بينما لم تكن الهياكل الرسمية والقانونية قد تشكلت بالكامل، فإنه بعد الأحداث المأساوية والمحزنة مثل فقدان الحاج قاسم (سلیماني) والسيد رئيسي، سيخرج بكرامة."!. وقطعاً، فإنَّ هذا الکلام يدل، بل وحتى يثبت بجلاء، أن الانتخابات الرئاسية القادمة ليست کسابقاتها، حيث کان خامنئي يقوم بهندستها ويعهد إلى أجهزته الخاصة لجعل هندسته أمراً واقعاً، إذ أنَّ الفرق بين اليوم والأمس کالفرق بين الثرى والثريا!

من هنا، فإنه وبعد الموافقة على صلاحية ستة مرشحين فقط من بين 80 مرشحاً للانتخابات، تبين أن نطاق المناورة للحكومة في هذه الانتخابات محدود للغاية. البعض ظن أنَّ مصرع رئيسي قد يتيح فرصة للإصلاحات في النظام، لكن يبدو أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا على علم بتدهور الأوضاع وتآكل الحكومة.

إقرأ أيضاً: خامنئي والخلفاء العباسيون

حالياً، الحكومة تحت ضغط شديد، وللحفاظ على قوتها، تلجأ إلى المزيد من القمع. بينما يحاول المسؤولون الحكوميون إظهار شرعيتهم من خلال إجراء انتخابات شكلية، يدرك الشعب جيداً أنَّ المشكلة الرئيسية ليست الانتخابات، بل أزمة بقاء النظام بعد مصرع رئيسي.

عشية انتخابات النظام المزمع إجراؤها في 28 حزيران (يونيو)، وبعد وفاة رئيسي، ستظهر التناقضات بسرعة وتنفجر، مما سيؤدي فعليًا إلى إسقاط نظام الملالي الغارق في الأزمات. الوضع الاقتصادي المتردي، والتضخم، والبطالة، كلها عوامل وضعت النظام في أضعف حالاته، وليس لديه حلول لأزماته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

إقرأ أيضاً: إيران تهدد "مرة أخرى" بتطوير الأسلحة النووية

وفي خضم هذه التطورات، سيعقد الإيرانيون مظاهرات وتجمعًا كبيرًا في برلين يوم 29 حزيران (يونيو)، بمشاركة إيرانيين من مختلف دول العالم، خاصة من أوروبا وأميركا. تأتي هذه المظاهرات ردًا على الانتخابات الرئاسية الإيرانية ورفضًا لنظام ولاية الفقيه، وكذلك دعمًا للبديل الديمقراطي. يمثل تنظيم هذا الحدث هذا العام مواجهة نهائية وتحديًا لمخططات ومؤامرات النظام وشركائه الدوليين ضد الانتفاضة الشعبية. الهدف من هذه المظاهرات هو تحييد تأثير هذه المخططات وإيصال صوت الشعب الإيراني الثائر إلى العالم.