عبارة واحدة باتت لا تغيب عن ألسنة القادة في كل من سوريا والعراق: حصر السلاح بيد الدولة!
هذه العبارة لم تعثر بعد على رجلها الدستوري في لبنان، فجميع المرشحين الجديين لجلسة التاسع من كانون الثاني (يناير) المقبل “صامتين صمتًا مطبقًا”، حتى يبدو أنّ كل كلمة جدية وحقيقية وضرورية، من شأنها أن تهدد حظوظهم بالوصول الى القصر الجمهوري.
من دون شك، يلعب “حزب الله” دورًا رئيسيًّا في نهج “ضبضبة الألسن”، فهو لا يكره عبارة ككرهه لتلك التي تفيد بوجوب حصر السلاح بيد الدولة. بالنسبة له، المرشح النموذجي هو ذاك الذي يتغاضى عن استمراره ميليشيا مسلّحة، غير آبه لا بالفساد ولا بالإنهيار ولا بالدمار. أولويته سلاحه وسائر الأمور ليست سوى عملة يتداول بها في سوق الشعارات والاستقطاب والتحشيد!
ولكن، كما حان وقت تشييع الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله، فإنّ أوان دفن المواصفات التي سبق ان وضعها لرئيس الجمهورية “النموذجي”، بحيث يكون استنساخًا لكل من أميل لحود وميشال عون!
في الواقع، إنّ أيّ رئيس محتمل يمكن أن يتغاضى عن هدف حصر السلاح بيد الدولة، يستحيل أن ينعم برئاسته، بل سيدخل في قائمة العار الدستورية التي دخلها سلفه الرئيس ميشال عون الذي أمضى ولايته يتلهّى عن هذه المسألة، على الرغم من بروز أهميتها القصوى القصوى والمحلة، بمسائل ثانوية، مما تسبب بإسقاط البلاد في جحيم غير مسبوق!
وليس من باب العبث أنّ دولتين كانتا في فلك إيران، وهما سوريا والعراق، وجدتا أنّ المستقبل لا يضمنه سوى العمل على تحقيق شعار حصر السلاح بيد الدولة، لأنّ الدول التي تحترم نفسها لا تقبل بأن يقيم فيها طرف مرتبط بأجندات خارجية دولة ضمن الدولة، ويفرض، بالقوة، شروطه عليها ويقدم على المصلحة الوطنية مصالح الدولة التي تموّله وتسلّحه وترعاه!
ولم يكن ممكنًا لبطل فرنسا التاريخي شارل ديغول أن يكون شخصية تاريخية، لو أنّه، عند تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، قد ارتضى، بأي شكل من الأشكال ولأي هدف من الأهداف، أن يُبقي السلاح بيد تنظيمات المقاومة، وغالبيتها كانت مرتبطة بالاتحاد السوفياتي. ولقد دفع ديغول غاليًا ثمن إصراره على حل التنظيمات المسلحة في بلاده، وقاوم عملياتها الأمنية الهادفة الى ثنيه عن قراره، قبل أن يدفع في السياسة ثمن الابتعاد لفترة طويلة (بين العامين 1946 و1958) عن مراكز السلطة.
وما تعتبره سوريا والعراق ضرورة لبناء المستقبل، يفرض نفسه على لبنان كضرورة لبناء الحاضر، فهو يخرج من حرب مدّمرة لم يكن خاضها لو كانت فيه دولة تملك ناصية القرار.
ولو التزام لبنان بمقتضيات القرار 1701 لما كان قد واجه حربا تضاعفت خسائرها المادية ضعفين ونصف الضعف عن حرب العام 2006 فيما فاقت خسائرها البشرية الأربعة أضعاف.
ولن يكون هناك من يمكن أن يعين لبنان على إعادة إعمار نفسه، بداية وإخراجه من جحيمه الاقتصادي، لاحقًا إن لم تكن فيه دولة تحتكر السلاح وتُجبر “حزب الله” على أن يكون حزبًا سياسيًّا مثل غيره من الأحزاب في لبنان.
ومن يقارن التدفقات المالية التي حصلت بعد انتهاء حرب العام 2006، حيث كان الوعد كبيرًا بتنفيذ القرارات الدولية الهادفة الى إقامة دولة لا ميليشيات مسلحة فيها، بالانعدام الحالي حتى للوعود المالية، يدرك حاجة لبنان الى سلطة تنفيذية تُعطي سيادة الدولة الأولوية المطلقة.
في العام 2006، أودعت السعودية والكويت في مصرف لبنان مليار ونصف مليار دولار، فيما تدفقت، وبسرعة نسبية، أموال تفوق الثلاثة مليارات دولار، من الدول العربية والغربية، وكانت مخصصة لإعادة الإعمار.
ومنذ التوقيع على دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، في السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، لم يدخل أي قرش الى لبنان، من أجل إعادة إعمار ما دمرته الحرب والمقدرة قيمتها بخمسة مليارات دولار على الأقل، كما لم تبادر أي دولة الى دعم الاقتصاد الوطني، من خلال إرسال إيداعات، ولو رمزية الى مصرف لبنان.
ولن تفعل غالبية الدول ذلك، في حال بقي لبنان من دون رئيس جديد للجمهورية يطلق آليات إعادة تأسيس السلطة التنفيذية التي يفترض أن يكون في مقدمة جدول أعمالها حصر السلاح بيد الدولة.
ويعمل “حزب الله” على محاولة تمرير رئيس للجمهورية يوافق معه على العمل، ولو بعيدًا من الأضواء، على إبقاء حال الميليشيا المسلحة التي يملكها على ما هي عليه. ومنذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، يواظب “حزب الله” على التعهد بالعمل على حماية قوته العسكرية، وهو، في أفضل عروضه، دعا الدولة الى إجراء شراكة بينه وبين الجيش اللبناني.
ولا يثق أي طرف بالطبقة السياسية الممكن وصولها الى السلطة التنفيذية، ولذلك يصر الجميع على وضعها قيد الإختبار.
وبسبب انعدام الثقة هذه، يصمت المجتمع الدولي، بقواه المؤثرة، على العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، حتى بدا أنّ هذا الاتفاق لم يكن سوى عنوان شرفي لتمرير استسلام “حزب الله” أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية.
وبناء عليه، فإنّ لبنان يكون في حال نجح في إيصال رئيس يستحق لقبة ويشرف القسم الذي سوف يتلوه!
التعليقات