مع الدخول البري الإسرائيلي إلى وادي الحجير، وبعد الغارة التي استهدفت العمق اللبناني في البقاع، هل ما زال لدى أي من المراقبين شك، في أن اتفاق وقف إطلاق النار، بات قريباً من السقوط؟ الأرجح أن مهلة الستين يوماً، ستكون الاختبار الأول لاحتمال تجدد الحرب، وما لم يطرأ على الموقف اللبناني، تغيير جذري باتجاه تطبيق الاتفاق الذي فاوض عليه الرئيس نبيه بري من الألف إلى الياء، فإن الحرب ستكون مرة جديدة على الأبواب.
في سردية الممانعة المشطوبة جغرافياً في سوريا، أن الخروقات الإسرائيلية للاتفاق، أثبتت كم أن سلاح المقاومة أساسي للدفاع عن لبنان، لكن فات هذه السردية التي تشبه الهرم المقلوب، أن تتوقف عند محطات أساسية اجتزأت فيها الأحداث، وقلبتها رأساً على عقب.
أولاً: عندما يحمّل خطاب الممانعة الجيش اللبناني، مسؤولية الخروقات الإسرائيلية، فهو يستقيل بشكل واضح من كل البهورات والعنتريات التي ادعت وجود معادلة الردع، فنتائج الحرب ليست مسؤولية الجيش، وقرار الحرب لم يتخذ في وزارة الدفاع، ومن يتلقى نتائج الاختلال في موازين القوى، ليست مسؤوليته أن يعالجها بشروط من ادعى الانتصارات، ليهزم ويوقع هذا النوع من الاتفاقات الذليلة.
ثانياً: لم يكن الجيش المطلوب منه اليوم أن يواجه الخروقات الإسرائيلية، مسؤولاً عن مضمون اتفاق وقف إطلاق النار، وهو استعد مسبقاً وحمّل المسؤولية السياسية عن الاتفاق،إلى من فاوض باسم لبنان، وهذا يعني أنه ملزم بالتنفيذ، والتنفيذ يفرض تفكيك كل بنية "حزب الله" بدءاً من جنوب الليطاني، وصولاً إلى كامل الأراضي اللبنانية، ومن لا يريد التنفيذ على أمل التنصل من الاتفاق، مسؤول عن استمرار الخروقات الإسرائيلية، لأنه اعتقد أن توقيع الاتفاق يعني الالتفاف على مضمونه وأخطأ، وهو يحاول اليوم أن يلقي المسؤولية عن كتفيه، وأن يستمر في حملات المزايدة التي اعتاد على القيام بها، مع العلم أن الزمن ضاق على سياسات المزايدة والهروب إلى الأمام.
ثالثاً: يفترض بالخطاب الممانع أن يتوقف عن المراوغة، فمن دون تنفيذ الاتفاق، لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي، ولن تتوقف الخروقات، وربما تتجدد الحرب، والممر الإجباري لتنفيذ الاتفاق، تفكيك سلاح "حزب الله" وتسليمه للجيش، وبهذا يصبح الجيش مسؤولاً بشكل فعلي عن الدفاع عن سيادة لبنان عبر الخط الأزرق، أما الاستمرار بالتذاكي، فستكون نتائجه كارثية، لأن ما تحضر له إسرائيل في ولاية ترامب، يفوق ما قامت به في ظل إدارة بايدن، التي وضعت الضوابط والعراقيل أمام عمليتها العسكرية.
لم تعد معادلات العام 2006 صالحة في العام 2024 ، لقد انتهت الجولة الأولى من الحرب بموازين قوى معروفة، وبالتالي وجب على "حزب الله" أن ينتقل إلى مرحلة جديدة بدوره، وأن لا يكرر أخطاء حرب الإسناد. المهلة باتت قصيرة جداً.
التعليقات