بقدر ما يعتبر مصرع إبراهيم رئيسي مصيبة كبرى للنظام الإيراني إلى الحد الذي يمکن فيه القول بصعوبة تعويضها، فإنها في نفس الوقت تعتبر حادثاً ذات بعد تراجي-کوميدي، أو حتى مفارقة فريدة من نوعها في تاريخ هذا النظام؛ إذ وفي الوقت الذي کان ينتظر منه وهو في الحياة أن يکون بمثابة مفتاح لحل العديد من المشاکل والأزمات التي يعاني منها النظام نظير الأزمة الحادة والأوضاع السلبية للنظام من جهة وکونه واحداً من أهم الوجوه المرشحة کي تکون خليفة لخامنئي، فإن موته قد فتح أکثر من باب للمشاکل بوجه النظام، ومن أهمها مشکلة خليفة خامنئي الذي صار العالم کله يعرف بأن وضعه الصحي ليس على ما يرام، وإن الخطورة والحساسية المفرطة لمنصبه تمنح للمشکلة بعداً وعمقاً استثنائياً، ولا سيما ونحن نعرف بأن منصب الولي الفقيه هو أساس وجوهر النظام وإذا لم يکن الجالس هناك بمستوى المنصب، فإنَّ النظام وتبعاً لذلك سيکون في خطر داهم.

مصرع رئيسي جاء في وقت يعاني فيه النظام من قائمة طويلة جداً من المشاکل المستفحلة، ومن أزمة نوعية حادة، وبقاء الأوضاع والمشاکل والأزمة على حالها، يعني أن النظام ليس في حال ووضع مناسب يمکن الاطمئنان عليه، والمثير في الأمر أن مصرع رئيسي قد أعاد مرة أخرى خلافة خامنئي إلى الواجهة، بل ان الکرة في أکثر من ملعب من ملاعب النظام الايراني الاساسية، لا سيما في ملعب مجلس الخبراء المعني باختيار خليفة أو مجموعة من رجال الدين کخلف له، ومن دون شك، فإن التحرکات والاجتماعات ستعود مجدداً، لا سيما خلف الأبواب المغلقة، وسيکون الحرس الثوري مرکز ثقل في عمليات الشد والجذب بهذا السياق، إذ لا يمکن أبداً حسم موضوع خلافة خامنئي من دون کسب ود الحرس، خصوصاً أنَّ الأوضاع الآن مختلفة تمام الاختلاف عما کانت عليه عندما مات الخميني، إذ لم يکن الحرس الثوري بمستوى القوة والسطوة والتأثير الذي هو عليه الآن.

عند التمعن والتدقيق في الوجوه المنتظرة والمتوقعة لخلافة خامنئي، وفي المقدمة ابنه مجتبى، فإنَّ الذي يجب الانتباه له، وخصوصاً بعد مقتل رئيسي، غياب وجه يمکنه أن يکون مؤهلاً لکي يملأ فراغ هذا المنصب، ويکون جديراً به، وحتى ان مجتبى نفسه، وفي حال لو حسم الأمر لصالحه، وهو أمر وارد بحسب المعطيات الحالية، فإنه سوف يضطر رغماً عنه ليس للتحالف مع الحرس بل وحتى الاعتماد عليه اعتماداً أکبر بکثير من اعتماد والده، وهذا يعني بالضرورة القهرية أن يد الحرس ستنطلق في البلاد أکثر من السابق، وقد يصبح مجتبى رويداً رويداً کالخلفاء العباسيين الضعفاء، الذين کانت تتحکم بهم القوى والأطراف المختلفة لتسيرهم وتوجهم کما تتطلب مصالحهم وأوضاعهم.

مشکلة خلافة خامنئي قد تصبح المشکلة الاساسية التي ستکون بمثابة کعب اخيل للنظام الايراني وحتى إنها قد تفتح باب سقوطه ولذلك فإن من حق النظام أن يحزن ويبکي بل وحتى يشق الجيوب على مصرع رئيسي الذي قرع أجراس نهايته!