بين ليلة وضحاها، طرأت تغييرات عدة في المشهد السياسي بمنطقة الشرق الأوسط، بعد سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد وأسرته إلى روسيا، وسيطرة المعارضة التي يتزعمها أبو محمد الجولاني على مقاليد الحكم في دمشق. وبعد أن كان المشهد في قطاع غزة يتصدر عناوين الصحف والوكالات العربية والدولية، جاءت الأحداث في سوريا لتخلق جبهة جديدة من الصراع، مما يعكس أن منطقة الشرق الأوسط باتت في مرحلة صعبة قد تؤدي إلى تغيير جذري في المعادلة السياسية لبعض الدول.

سقوط النظام السوري زاد من صعوبة موقف إيران التي كانت تدعم الأسد الهارب، وعكست الأحداث السياسية المتتالية سواء في غزة ولبنان ومن بعدهما سوريا، أن طهران فقدت نسبة كبيرة من نفوذها المزعوم في المنطقة. وأصبحت الفزاعة الإيرانية في موقف لا تحسد عليه، في ظل تحقيق جيش الاحتلال الإسرائيلي تقدماً في مختلف الجبهات، رغم تعرضه لخسائر فادحة يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تبريرها باغتيال قادة المقاومة والاستيلاء على المنطقة العازلة بعد سقوط الأسد.

قبل أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أو ما يطلق عليها عملية "طوفان الأقصى"، كانت إيران تتمتع بنفوذ كبير وتثير المخاوف، خاصة لأميركا وإسرائيل وأوروبا. فقد كانت ولا تزال تسعى لتنفيذ برنامجها النووي والدخول ضمن قائمة الدول التي تمتلك رؤوساً نووية. ومن المعروف أن طهران هي الداعم الرئيسي لحركة حماس وحزب الله لمواجهة إسرائيل ومنعها من التوسع وتنفيذ مخططاتها الاستيطانية.

بالتأكيد، الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل سواء لقادة حماس أو حزب الله، وأبرزها اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في قلب إيران ذاتها، كشفت حجم الضعف الذي تعاني منه طهران وهشاشة جهاز استخباراتها. واكتفت بتصريحات من قادتها ومرشدها تتضمن التهديد والوعيد دون تنفيذ. وعندما شعرت إيران بالحرج من عدم ردها على اختراق سيادتها من جانب إسرائيل، وجهت ضربة هزيلة لم تؤثر في الكيان.

إقرأ أيضاً: أين الحكومة من معاناة سكان غزة؟

أدرك حزب الله أن إيران لم تعد القوة التي تحميه أو تدافع عنه، ولم تدخل في حرب مباشرة مع إسرائيل. لذلك وافق على مفاوضات وقف إطلاق النار قبل أن يتعرض كيانه للانهيار بشكل كامل. كذلك، الخسائر التي تعرضت لها حركة حماس في حربها ضد جيش الاحتلال، واتخاذ قطر - لأول مرة - موقفاً سياسياً ضدها، يؤكد أن مستقبل الحركة في مهب الريح، وقد تنهار تماماً في ظل عدم التوصل حتى الآن لاتفاق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي لوقف إطلاق النار. وهو ما يسعى نتنياهو إلى تحقيقه بتدمير كل محاور المقاومة التي قد تسبب مخاطر على تل أبيب مستقبلاً.

سقوط سوريا يمثل ضربة جديدة لإيران، خاصة أنَّ عائلة الأسد كانت الحليف الرئيسي لإيران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979. وكانت الدولة الوحيدة التي دعمت طهران خلال الحرب الإيرانية العراقية، بينما ساندت جميع الدول العربية الأخرى العراق. وخلال سنوات عديدة، استخدمت إيران سوريا كمعبر لإيصال معدات لوجستية وأسلحة لحزب الله في لبنان ولحماس في غزة، مما جعلها تحافظ على "محور المقاومة" وتمتلك إمكانيات ردع أمنية خارج حدودها الجغرافية.

إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب طويت صفحة حماس

شكلت الصور التي تظهر سفارة إيران في دمشق وهي تتعرض للنهب من قبل مجموعة من المتمردين السوريين بعد الهجوم على العاصمة دمشق، منعطفاً سياسياً جديداً ونقطة تحول مهمة. ووصف المرشد الإيراني علي خامنئي، في تعليقه حول تطورات الوضع بعد سقوط حليفه بشار الأسد، أن ما يحدث في سوريا "فوضى" تسببت فيها المعارضة، رغم أن إيران كانت تصف المعارضة من قبل بالجماعات الإرهابية.

من المؤكد أن ضعف "وكلاء" إيران تسبب في حالة من القلق لديها، خاصة أنَّ أميركا وإسرائيل كان لديهما مخاوف من قوة إيران. وخلال عام واحد من الحرب على غزة وما شهدته المنطقة من صراع، كشف الوجه الحقيقي لإيران بأن القوة المزعومة أصبحت مهلهلة. واستطاعت إسرائيل القضاء على هاجس أمني كان يلاحقها منذ سنوات. وبالتالي لم يعد هناك مخاوف لدى جيش الاحتلال الذي يتعدى على سيادة الدول بغطاء أميركي، وعجز كامل من جانب المجتمع الدولي عن تنفيذ العقوبات الصادرة بحق إسرائيل ووقف جرائمها.