مر أكثر من عام على الحرب المدمرة والحصار الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. ومع إغلاق كافة المعابر، برزت أزمة الملابس الشتوية مع حلول فصل الشتاء. المتاجر التي كانت مكتظة بالبضائع والزبائن في مثل هذه الأيام من كل عام أصبحت خالية تمامًا، تحاصرها أنقاض البنايات التي دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ما حدث في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كان حربًا موسعة دفع ثمنها المدنيون العزّل من السلاح، وكأن إسرائيل كانت تنتظر هجوم حماس على المستوطنين لتدمير غزة وتهجير السكان وتصفية القضية الفلسطينية. الحصار الذي فرضه الاحتلال منع دخول البضائع، وبالتالي ما يتوفر حاليًا عدد محدود من الملابس البالية التي لا تكفي سكان حي واحد فقط داخل قطاع غزة، وجميعها ملابس متهالكة لا يمكن الاعتماد عليها لمواجهة برودة الشتاء القارس.

الأوضاع المتردية في قطاع غزة دفعت السكان لبيع ملابسهم المستعملة لشراء الطعام، خاصة مع تعنت جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية لغزة. وفي ظل حالة من العجز التام من جانب المجتمع الدولي عن التصدي لجرائم الاحتلال، يقوم التجار بشراء الملابس المستعملة من المواطنين وإعادة بيعها لهم مرة أخرى، لعدم قدرتهم على توفير بضائع جديدة.

بات الحصول على الضروريات الأساسية في غزة صراعًا يوميًا مروعًا من أجل البقاء، وصار التهديد بالموت جوعًا أو مرضًا أو قصفًا أمرًا حقيقيًا. النساء والأطفال يبحثون في تلال النفايات الضخمة عن كسرة خبز أو قطعة ملابس متهالكة لمواجهة برد الشتاء. الشعب الفلسطيني غاضب ومحبط وخائب الأمل، ويعاني على نطاق كبير. الفوضى أصبحت تسيطر على القطاع بالكامل، ومع تدمير كافة المستويات في المجتمع، بما في ذلك النظام التعليمي، ونظام الحكم، وأماكن العبادة، وشبكات الدعم المحلية، لا يرى سكان غزة أي مستقبل، ويرغب كثير منهم في النزوح إلى مكان آخر.

إقرأ أيضاً: مفترق طرق أمام قيادات حماس

ومع حلول فصل الشتاء وهطول الأمطار، هناك حاجة ملحة إلى ملاجئ مناسبة وملابس شتوية، فالأوضاع أصبحت مأساوية. هذه الصراعات اليومية من أجل البقاء تُبتلى بها غزة بينما يستمر القصف بلا هوادة في جميع أنحاء القطاع. يجاهد النازحون بما لديهم من مواد بسيطة لتحصين خيامهم القماشية من الأمطار، ومع انخفاض درجات الحرارة، ولسان حالهم يقول إن تلك الخيام ليست آمنة في مواجهة الشتاء والأمطار.

الأمطار الغزيرة في غزة تسببت في فيضانات في عدة مواقع يقيم بها النازحون في خان يونس جنوبًا ومدينة غزة شمالًا. أتلفت الأمطار خيام الناس ومتعلقاتهم. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، يقيم أكثر من 450 ألف شخص في 100 منطقة معرضة للفيضانات في خان يونس ودير البلح ورفح.

أيضًا أمواج البحر ومدّه بسبب موجات الطقس السيء كان لها تأثير أكثر وطأة على خيام النزوح المتاخمة للشاطئ في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة. مياه البحر غمرت أجزاء من تلك الخيام وابتلت متعلقات النازحين الذين لم يعد هناك مكان آخر يلجؤون إليه.

إقرأ أيضاً: الاحتلال يتوحش وغزة بلا سند

هناك حاجة ملحة في قطاع غزة إلى تغيير جذري في تدفق المساعدات الإنسانية وتأمين طرق إمداد أكثر أمانًا وسرعة. فمستوى المساعدات الحالي أقل بكثير من الحاجة، لتجنب مزيج قاتل من الجوع وسوء التغذية والمرض.

ما يحدث لسكان غزة يعكس فشل الحكومة المحلية في تقديم أبسط أشكال الدعم، وترك الأهالي محاصرين من كافة الاتجاهات، يواجهون الموت من جرائم الاحتلال من ناحية، وبرودة وأمطار الشتاء التي تغرق المخيمات من ناحية أخرى. اكتفت الحكومة بمشاهدة ما يحدث للأبرياء دون التحرك لتخفيف حدة المعاناة. ومع عجز كافة الأطراف عن إيقاف العدوان، سيظل ما تبقى من سكان غزة تحت رحمة الاحتلال.