يبدو أنَّ الصراع في منطقة الشرق الأوسط سيظل مستمرًا دون معرفة توقيت محدد لوقف الحرب، خاصة في ظل العدوان المستمر من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي على مختلف المناطق بقطاع غزة، الذي تحول إلى أكوام من الركام جراء الغارات التي تسببت في هدم البنية التحتية للقطاع بالكامل تقريبًا.
فشل جهود الوساطة، التي بدأت منذ الحرب على غزة عقب أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، يعكس رغبة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في تدمير قطاع غزة بالكامل، بحجة ملاحقة عناصر حركة حماس، وهو الدافع الوهمي لاستهداف المدنيين بشكل مباشر. وتؤكد الأرقام الرسمية لعدد الشهداء والمصابين نية الاحتلال الخبيثة في إنهاء القضية الفلسطينية وتهجير أصحاب الأرض.
ما تقوم به إسرائيل من جرائم تجاه الفلسطينيين دليل واضح على المضي قدمًا في تدمير ما تبقى من قطاع غزة، والتوغل في مختلف المناطق، واستهداف المدنيين بشكل مباشر. ما يعكس رغبة نتنياهو في تحقيق نصر زائف، في ظل موجة الغضب التي تجتاح إسرائيل ضده، بعد فشله في تحرير الرهائن المحتجزين لدى حماس.
ودعت دول الشرق الأوسط إلى وقف التصعيد ونددت بالاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية، باعتباره السبب الجذري في اشتعال الصراع الدائر. بالإضافة إلى ذلك، حذرت العديد من الجبهات إسرائيل بأن الحرب ستعرضها لـ"زلزال ضخم".
السيطرة الإسرائيلية المتزايدة على ملايين الفلسطينيين أدت إلى إراقة الدماء، وتصاعد العنف الإسرائيلي في ظل رفض بنيامين نتنياهو التفاوض على عملية السلام، مما صب الزيت على النار، وتجاهل حقوق الفلسطينيين بمباركة الولايات المتحدة، التي تجاهلت القضية الفلسطينية وقدمت دعمًا غير محدود لإسرائيل. وبالتالي، لن يتحقق أي تقدم في مسار المفاوضات ووقف إطلاق النار إلا بموقف فاعل ونية حقيقية من الولايات المتحدة لإنهاء الحرب على قطاع غزة والشرق الأوسط.
المشهد السياسي المعقد، وعدم وجود مؤشرات إيجابية لإيجاد صيغة لوقف إطلاق النار، يدفع ثمنه الفلسطينيون، ويؤدي إلى تفاقم معاناة سكان غزة، الذين يشعرون باليأس من الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال على غزة. ووفقًا للتقديرات، فإن أكثر من 80 بالمئة من الأشخاص يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من 63 بالمئة يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويعتمدون على المساعدة الدولية، التي أصبحت شبه معدومة بسبب رفض الاحتلال إدخالها.
الحصار المفروض على غزة خلق حالة من اليأس بين الفلسطينيين، الأمر الذي استغلته حماس لإقناع الشباب الفلسطيني بأن العنف هو الحل الوحيد. ولم تفلح المحاولات لحل الصراع عن طريق المفاوضات، وعلى مدى سنوات اتبعت الحكومات المختلفة بقيادة بنيامين نتنياهو نهجًا أدى إلى تقسيم السلطة بين قطاع غزة والضفة الغربية.
إقرأ أيضاً: قمع الأسيرات الفلسطينيات
إسرائيل ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من خلال التسبب عمدًا في تهجير جماعي للفلسطينيين في غزة. وفرَّ حوالى 1.9 مليون شخص، أي 90 بالمئة من سكان غزة، من منازلهم خلال العام الماضي، ويخضع 79 بالمئة من الأراضي لأوامر إخلاء أصدرتها إسرائيل، وفقًا للأمم المتحدة، وهو ما يرقى إلى مستوى "النقل القسري"، إذ تشير الأدلة إلى أنه كان منهجيًا وجزءًا من سياسة الدولة. الإجراءات الإسرائيلية يبدو أنها "تفي بتعريف التطهير العرقي".
ورغم الاتهامات التي وجهتها المنظمات الدولية لإسرائيل بالجرائم المذكورة، خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية بتصريحات خلافًا للادعاءات الواردة وذكر أن جهود إسرائيل موجهة فقط نحو تفكيك قدرات حماس وليس ضد سكان غزة، وهو ما ينذر باستمرار تفاقم الأوضاع وتأزم المشهد دون حل.
بموجب قوانين الحرب، يُحظر التهجير القسري لأي مدنيين داخل الأراضي المحتلة إلا إذا كان ذلك ضروريًا لأمنهم. ولكي يكون النزوح قانونيًا، يجب نقل المدنيين بأمان وتزويدهم بالسكن والإمدادات الأساسية. ويجب أن يتمكنوا أيضًا من العودة إلى منازلهم بعد انتهاء الأعمال العدائية في المنطقة.
إقرأ أيضاً: حان الوقت لتطبيق حل الدولتين
استنادًا إلى مقابلات مع الفلسطينيين النازحين وتحليل أوامر الإخلاء الإسرائيلية وصور الأقمار الصناعية التي تظهر تدمير المباني، ومقاطع الفيديو وصور الضربات، يتضح أنه لا يوجد سبب عسكري حتمي معقول لتبرير تهجير جميع سكان غزة تقريبًا. كما أن الشروط الأخرى التي تجعل النزوح مشروعًا لم يتم استيفاؤها أيضًا.
أوامر الإخلاء الإسرائيلية كانت غير متسقة وغير دقيقة، وكثيرًا ما لم يتم إبلاغ المدنيين بها بوقت كافٍ، كما أنها لم تأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم من غير القادرين على المغادرة. وقصفت القوات الإسرائيلية بشكل متكرر طرق الإخلاء والمناطق الآمنة المحددة.
ومنعت السلطات الإسرائيلية جميع المساعدات الإنسانية الضرورية، والمياه والكهرباء والوقود، باستثناء جزء صغير منها، من الوصول إلى المدنيين المحتاجين، فضلًا عن تنفيذ هجمات ألحقت أضرارًا ودمرت الموارد الحيوية مثل المستشفيات والمخابز.
إقرأ أيضاً: ماذا فعل العرب لوقف الحرب؟
ووفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش، هدم الجيش الإسرائيلي عمدًا أو ألحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية المدنية، بما في ذلك عمليات الهدم الخاضعة للرقابة للمنازل بهدف واضح هو إنشاء "منطقة عازلة" ممتدة على طول محيط غزة مع إسرائيل وممر يقسم غزة. وحذر التقرير من أن الدمار كبير للغاية لدرجة أنه يشير إلى نية تهجير العديد من الأشخاص بشكل دائم.
لقد كان النزوح القسري منتشرًا على نطاق واسع، وتشير الأدلة إلى أنه كان منهجيًا وجزءًا من سياسة الدولة. ومثل هذه الأعمال تشكل أيضًا جرائم ضد الإنسانية والتهجير المنظم والعنيف للفلسطينيين في غزة، الذين ينتمون إلى مجموعة عرقية أخرى، ما يرجح أن يكون دائمًا في المناطق العازلة والممرات الأمنية.
التعليقات