مع تصاعد حدة الصراع في الشرق الأوسط، يزداد المشهد السياسي تعقيدًا، في ظل رفض حكومة بنيامين نتنياهو "المتطرفة" أي محاولات لرأب الصدع وإيقاف الحرب والمجازر الوحشية تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، ما يعكس نوايا إسرائيل الخبيثة لتصفية القضية الفلسطينية والاستيلاء على الأرض، في ظل الاستمرار في بناء المستوطنات.
الوضع الراهن لا ينذر بانفراجة، بعد الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، واستمرار أعمال القصف على الجبهة الجنوبية في لبنان بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهنا تكمن أسباب تفاقم الأزمة، فما تقوم به إيران، الداعم الرئيس لحركة حماس وحزب الله، هو أحد الأسباب الرئيسية في إعاقة السلام بالمنطقة.
ومن قراءة المشهد، نرى أن إيران تدعم المقاومة على مدار سنوات في حرب "الوكالة" - كما يطلق عليها - دون الدخول في حرب مباشرة مع العدو الإسرائيلي، وهو ما قد ينذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأسرها.
إنَّ الحديث عن مفاوضات لوقف إطلاق النار أصبح بمثابة "فقاعات" يتم الحديث عنها بين الحين والآخر دون أن تدخل في حيز التنفيذ. إيران تدعم بقاء حكم قطاع غزة في قبضة "حماس"، في الوقت الذي تنادي فيه أصوات بعودة حكم القطاع للسلطة الفلسطينية، وهي خطوة مضيئة نحو وقف الحرب.
في نهاية آذار (مارس) 2002، انعقدت القمة العربية في بيروت على خلفية أحداث "انتفاضة الأقصى"، التي شهدت اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي للمدن الفلسطينية وتدمير البنية التحتية وقتل وأسر الآلاف من الفلسطينيين.
في تلك القمة، أطلق العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، مبادرة سلام لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بحيث تهدف المبادرة إلى إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
ومقابل ذلك، سوف يُعتبر النزاع العربي الإسرائيلي منتهيًا، وتتمكن إسرائيل من إنشاء علاقات طبيعية مع نحو 57 دولة عربية وإسلامية. وقد تم إقرار مبادرة السلام من قبل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وأصبحت هي الإطار الناظم للموقف العربي والإسلامي تجاه العلاقة مع إسرائيل وحل القضية الفلسطينية.
إقرأ أيضاً: انسحاب منظمات الإغاثة ومصير شمال غزة
ومنذ ذلك الحين، يتمسك الفلسطينيون بمبادرة السلام العربية كخطة لا بديل لها لإنهاء الصراع مع إسرائيل. ومع قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإعادة التذكير بالمبادرة والتمسك بها مجددًا، يشعر بأن هناك خطة أميركية بديلة يتم تداولها، تقوم بقلب المبادرة العربية بحيث تبدأ بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن ثم يتم التباحث في سبل حل القضية الفلسطينية، وهذا يشعر الرئيس الفلسطيني بخطر شديد، إذ إن إسرائيل لن تجد ما يجبرها على حل للقضية الفلسطينية ما دامت أبواب المنطقة ستفتح أمامها.
يسعى الرئيس عباس الآن للحفاظ على الوحدة في الموقفين العربي والإسلامي، الأمر الذي سيوفر الدعم للموقف الفلسطيني الرافض لترويج إسرائيل في المنطقة على حساب الحقوق الفلسطينية.
ولا يريد عباس فتح مبادرة السلام العربية كما ترغب الولايات المتحدة، وإنما يتمسك بها كما أُقرّت، وقال "تطبيقها كما هي من الألف إلى الياء"، فالمواقف الأميركية واضحة، لا سيما في إخراج القدس من قضية المفاوضات وإنهاء قضية اللاجئين، وهاتان القضيتان تندرجان تحت إطار الرؤية الأميركية للسلام الإقليمي، الذي يبدأ بالتطبيع ومن ثم يتجاهل قضايا فلسطينية مركزية.
إقرأ أيضاً: هل يقود الحراك السياسي بريطانيا إلى الاعتراف بدولة فلسطين؟
حركة حماس لا تنتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي تفتقر إلى الشرعية، والتدخل الإيراني وحلفاؤها كان السبب في إفشال عملية السلام، وأي محادثات إسرائيلية فلسطينية يجب أن تكون دون تواجد حركة حماس التي تسببت في الحرب المدمرة الآن، ويتطلع الجميع إلى تحقيق معاهدة سلام بين إسرائيل وفلسطين.
أصبح الوضع الأميركي اليوم في مأزق كبير أمام الدول العربية، وقد كان الموقف السعودي خلال مؤتمر ميونيخ واضحًا بعدم التفاوض مع إسرائيل.
هناك عمل عربي منسق تقوم به السعودية بالتعاون مع مصر والإمارات وقطر والأردن، والهدف منه هو التعامل مع تداعيات توقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتأكيد الموقف العربي والأميركي والدولي على الاستمرار في الدعوة لحل الدولتين. عجزت إيران عن الدخول في صراع مع إسرائيل، رغم تلقي حماس دعمًا ماليًا منها، إلا أنها لا تُعتبر فصيلًا إيرانيًا بسبب اختلاف الأيديولوجيا بينهما.
إقرأ أيضاً: ماذا فعل العرب لوقف الحرب؟
حل الدولتين ينهي الصراع المرير الذي عانت منه المنطقة منذ ما يقرب من قرن من الزمان، والذي يقضي بتقسيم الأرض بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط لإقامة دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، مستقلتين وبسيادة، تعيشان جنبًا إلى جنب. هذا الحل قد حظي مرارًا وتكرارًا بتأييد قادة العالم.
غزة لا يمكن استبعادها من الدولة الفلسطينية المستقبلية، وإقرار السلام الشامل العادل وحل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي القيام بدوره واتخاذ موقف حاسم لإنهاء الصراع وحل الدولتين.
التعليقات