الوضع الراهن في قطاع غزة لا ينذر بموعد محدد لوقف إطلاق النار، في ظل المشهد الضبابي المتأزم، وذلك لسببين: الأول هو التعنت الإسرائيلي الواضح، ورغبة بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال، في استمرار الحرب بحجة القضاء على قيادات وعناصر حركة حماس، رغم المظاهرات الحاشدة في إسرائيل التي تطالب بإعادة الرهائن.
السبب الثاني هو الموقف العربي المتراخي تجاه ما يحدث في قطاع غزة؛ إذ اكتفت الدول العربية ببيانات الشجب والإدانة للجرائم المتتالية التي يرتكبها جيش الاحتلال، مع إرسال مساعدات لم تصل في كثير من الأحيان إلى سكان غزة بسبب القمع الإسرائيلي ورفض إدخالها، مما فرض حالة من الحصار يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء.
غياب العمل العربي المشترك أمام الأحداث الدامية في قطاع غزة، التي بدأت في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أتاح الفرصة لجيش الاحتلال لفرض سيطرته وهيمنته في المنطقة، تحت رعاية ودعم غير محدود من الولايات المتحدة الأميركية، التي تتبنى موقفًا واضحًا يتمثل في حماية مصلحة إسرائيل على حساب أرواح النساء والأطفال والشباب والشيوخ.
مظاهر الهوان في المشهد العربي واضحة تمامًا لكل ذي عينين على أكثر من صعيد. القضية الفلسطينية التي كانت تُسمى "قضية العرب جميعًا" أصبحت اليوم تُختزل في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وهو وصف يختزل القضية من جوهرها العربي ويجعلها نزاعًا ثنائيًا بين السلطة الفلسطينية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
لقد أصبح من المعتاد أن يستيقظ المهتمون بالشأن العربي كل يوم على صدمة هنا أو هناك، وعلى معارك كلامية حامية لا تتوقف فقط عند تبادل الاتهامات بالفشل، وإنما تتعداه إلى الاتهامات بالخيانة. شيء من هذا القبيل لم يكن حاضرًا قبل سنوات، رغم أن الواقع العربي آنذاك لم يكن خاليًا من الأزمات بمختلف صورها. كانت لا تزال هناك بقية من "المناعة العربية" التي صنعها العمل العربي المشترك بعد الاستقلال الوطني.
نرى جميعًا موقف قطر من العدوان على غزة ومحاولاتها المستمرة لوقف إطلاق النار، والتي لم تثمر عن شيء حتى الآن، لأن قطر تسعى لحل لا يمس حركة حماس، التي ترعاها وتستضيف قادتها منذ سنوات. لهذا السبب، لم تفلح الجهود القطرية في تحقيق وقف إطلاق النار، واكتفت الدوحة ببيانات الرفض والاستنكار.
فشل العرب في إيجاد صيغة للتعاون فيما بينهم، عبر عمل جماعي منهجي مستمر وملزم، كان سيجنبهم المآسي الحالية، وأبرزها الحرب التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، الذي تحول إلى أنقاض جراء القصف المستمر وأدى إلى استشهاد وإصابة آلاف المدنيين.
إقرأ أيضاً: هل يقود الحراك السياسي بريطانيا إلى الاعتراف بدولة فلسطين؟
وبالنظر إلى الجهود المصرية، سنجد أن مصر تضع القضية الفلسطينية نصب أعينها منذ بدء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عام 1948. بذلت الدولة المصرية جهودًا مضنية، من خلال المفاوضات واللقاءات مع أطراف النزاع، لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وهي دائمًا تطالب المجتمع الدولي بحل شامل وعادل للقضية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
الانصراف التدريجي عن العمل العربي المشترك واستبداله بالعمل الفردي هو انعكاس لما يحدث الآن في قطاع غزة. لم يعد باستطاعة الدول العربية منفردة التصدي للأزمات مثلما كان يحدث في الماضي.
مصير القضية الفلسطينية أصبح مجهولًا، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات، دون أي تحرك عربي فعال. السبب البسيط وراء هذا العجز هو غياب موقف عربي مشترك لفرض حل عادل، حيث يسود التباين في المواقف والسياسات بين الدول العربية، تأثرًا بمبدأ تفضيل العمل الفردي على العمل الموحد.
إقرأ أيضاً: المطالب الشعبية في غزة.. حق مشروع ولكن!
ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات لسيادة الدول يمثل تهديدًا واضحًا للأمن القومي العربي، لا سيما في فلسطين، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الموسع على قطاع غزة والضفة الغربية. إن الوضع يتطلب إعادة إحياء العمل العربي المشترك بقوة، لكن حتى الآن، المشهد الضبابي لا يبشر بذلك، بل إن التخاذل يزيد من تعقيد القضية الفلسطينية ويُطيل أمد الحرب، وتبقى القضية في مكانها دون أي تقدم.
التعليقات