لا شك أن الوضع القائم في قطاع غزة لا يُبشر بوجود مؤشرات واضحة لمستقبل القطاع، الذي يشهد أبشع الجرائم من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. ومن يرى ويتابع المشهد، لا يمكن أن يتخيل أن من الممكن أن يعود القطاع إلى ما كان عليه، حيث أصبح وكأنه مدينة أشباح بعد الدمار الهائل لمعظم المباني والمنشآت.

ووفقًا للتقارير الأممية، فإن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي في قطاع غزة تراجع بنسبة 26 بالمئة، وهو ما يوازي تراجعه في الـ16 عامًا الماضية من الحصار، وست عمليات عسكرية إسرائيلية سابقة في القطاع. أيضًا، وصلت نسبة البطالة مع نهاية عام 2023 إلى 80 بالمئة، أي أنَّ ما تبقى من العمالة هي فقط للأمور الإغاثية والمستشفيات، فضلًا عن تدمير الأنشطة الاقتصادية بالكامل.

معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة غير مسبوقة على كافة الأصعدة، وهو ما كشفته الأرقام الرسمية، التي أظهرت أن معدل الفقر ارتفع إلى 96 بالمئة بنهاية 2023. ومع استمرار العملية العسكرية، فإن الخسارة التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني في غزة كارثية، والوقت اللازم لتعافي القطاع من آثار هذه الحرب سيكون أطول، وما يحتاجه القطاع من دعم المانحين لإعادة الإعمار والتعافي سيكون أضعاف ما كان عليه بعد العملية العسكرية في عام 2014.

استعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل بدء العملية العسكرية في غزة ستستغرق عقودًا من الزمن، وتتطلب مساعدات خارجية كبيرة. بداية الإعمار تتطلب وقف العملية العسكرية فورًا وبدء إعادة الإعمار، إلى جانب تدخل كبير من الدول المانحة والمجتمع الدولي في تمويل إعادة الإعمار بشكل كبير.

ويجب دمج قطاع غزة والضفة الغربية تحت مظلة واحدة، مما يساعد على الوصول إلى حل سياسي عبر حل الدولتين. وإذا تحققت هذه الشروط، فإنه حتى مع نمو مستمر بمعدل 10 بالمئة، سيستغرق القطاع حتى عام 2035 للعودة إلى المستويات التي كان عليها في 2006، أي قبل الحصار الإسرائيلي على غزة.

وعلى المجتمع الدولي أن يتدخل بشكل عاجل لإنهاء الحرب وإيجاد حل جذري لهذه الدائرة المفرغة من العنف في الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال حل الدولتين. فأنصاف الحلول لن تسفر عن أي تقدم في الأزمة، نظرًا لمعاناة الشعب الفلسطيني، التي ستتواصل لعقود لاحقة إذا ظل الوضع على ما هو عليه.

حجم الدمار غير المسبوق الذي نراه الآن في غزة وحجم المأساة الإنسانية يتطلبان دعمًا ماليًا ضخمًا لتلبية الاحتياجات الإنسانية في القطاع، ولإعادة الإعمار بشكل جاد مع فتح المعابر وإنهاء الحصار على قطاع غزة، وإعادة دمج القطاع مع الضفة الغربية تحت إطار واحد لبناء مؤسسات أقوى تستطيع قيادة إعادة الإعمار في غزة.

ما يحتاجه قطاع غزة بشكل فوري هو إنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية والتوصل إلى صيغة نهائية لحل الدولتين، خصوصًا وأن هذه المشكلة تعود إلى عام 1967، وبعد 17 عامًا من الحصار على قطاع غزة، والدمار الحالي غير مسبوق. يجب التحرك العاجل وبجدية على كل المستويات الإنسانية والتمويلية والسياسية لإيجاد حل جذري لما يحدث في قطاع غزة.

إقرأ أيضاً: نتنياهو وأوهام النصر

أسوأ ما يمكن أن يحدث هو العودة إلى الوضع السابق، إلى حرب كل عامين أو ثلاثة. كان الوضع صعبًا قبل الحرب وأصبح كارثيًا الآن. أسعار السلع ارتفعت بشكل كبير، ومعظم الضروريات الأساسية غير متوفرة، ويشعر سكان غزة أن الأرض تهتز مثل الزلزال، وهذا يتكرر كل مساء تقريبًا.

ينظر سكان قطاع غزة بقلق إلى السيناريوهات المحتملة لليوم التالي للحرب المستمرة منذ 10 أشهر وآليات حدوثها، رغم أن أقصى أمانيهم هي أن تأتي سريعاً لحظة الإعلان عن وقف لإطلاق النار. وينبع ذلك من ضبابية المشهد السياسي المليء بالفجوات دون قدرة أي من أطراف الصراع أو صُنّاع القرار الدولي على توضيح مسار معين لما ستؤول إليه الأوضاع بعد انتهاء العمليات الإسرائيلية.

ورغم الكارثة الواقعة في قطاع غزة، إلا أن المطالب الشعبية هناك لديها رغبة في تأمين مستقبل القطاع، ووضع خارطة طريق تضمن تغيير السياسة التي يُدار بها القطاع من جانب حركة حماس، والتي تسببت بقراراتها غير المدروسة في تدمير غالبية قطاع غزة وفقدان أكثر من 50 ألف مواطن حياتهم، بالإضافة إلى آلاف الجرحى، بعد هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

إقرأ أيضاً: السلطة الفلسطينية طوق نجاة لقطاع غزة

بالتأكيد، سكان غزة الذين بقوا على قيد الحياة حتى الآن لديهم حالة من الإحباط واليأس جراء المشاهد الدموية اليومية وعدم توفر أبسط سبل العيش، بل وصل الأمر إلى حد المجاعة نتيجة لعدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، مما زاد من الوضع المأساوي.

على مدار أشهر، نسمع عن مفاوضات ولقاءات بين حماس وإسرائيل برعاية مصر وقطر، اللتين قامتا بجهود كبيرة لوقف إطلاق النار. إلا أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يُعرقل المفاوضات دائمًا لرغبته في القضاء على حركة حماس نهائيًا وفرض سيطرته على قطاع غزة لتحقيق انتصار شخصي أمام الرأي العام في إسرائيل، بعدما لاحقته اتهامات بالفشل.

من المؤكد أن سكان غزة لديهم رغبة مُلحة في اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة لإنقاذهم من الدمار الواقع عليهم، ومعالجة مختلف القضايا على كافة الأصعدة. وهذا يتطلب حدوث تغيير جذري، لن يتم إلا بعودة قطاع غزة تحت إدارة السُلطة الفلسطينية مرة أخرى، فلم يجنِ شعب غزة من حكم حركة حماس سوى الخراب والدمار. لذلك، لابد من الاستجابة الفورية لرغبة سكان غزة في التغيير الفوري للوضع السياسي للقطاع.