يسعى النظام الإيراني دائمًا للمزايدة على بلدان المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام، بادعائه أنه نظام ديمقراطي، وأن السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تتمتع بالاستقلالية. ودأب قادة النظام على رفض كافة الشبهات والانتقادات الموجهة بشأن الديمقراطية السائدة في إيران، وادعاء أنَّ النظام يتمتع بالحرية والعدالة. ولكن الملفت للنظر أن رفض قادة النظام الإيراني لهذه الشبهات والانتقادات لم يحظَ بقبول المراقبين، بل قيَّموه على أنه مجرد تبريرات واهية لنظام يمارس القمع والاضطهاد ومصادرة الحريات تحت ستار شفاف وفاضح لديمقراطية مزعومة.

المثير للسخرية هنا هو أنه، بالرغم من وجود الكثير من الأحداث والتطورات التي رافقت الانتخابات التي جرت في إيران منذ تأسيس النظام الحالي، والتي لا تشكك فقط بل وتفضح الماهية الديكتاتورية التي يقوم عليها النظام، يبدو أنَّ ما تمخض عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وخاصة عملية تشكيل الحكومة المقترحة التي وافق عليها برلمان النظام بشكل ملفت للنظر، يعكس تناقضًا، لا سيَّما أنَّ البرلمان لم يوافق بنفس الطريقة والأسلوب على حكومات أحمدي نجاد ومحمد خاتمي وحسن روحاني.

الحكومة المقترحة التي وافق عليها البرلمان فورًا هي في الحقيقة، ومن خلال التمعن فيها، ليست إلا صورة طبق الأصل لحكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي. بل حتى التصريحات التي أدلى بها بزشكيان والعديد من وزرائه أكدت جميعها على السير في نفس الاتجاه والسياق الذي سار فيه رئيسي!

الملاحظة التي يجب أن تُؤخذ هنا بعين الاعتبار هي أن البعض صوروا بزشكيان وكأنه داعية التغيير المنتظر، خاصة بعد أن أُشيع أنه معتدل وإصلاحي وأنه سيقوم بما عجز عن القيام به كل من خاتمي وروحاني. بل حتى إن هناك من اعتقد أنَّ النظام في إيران في طريقه للتغيير.

الملفت للنظر، والذي يضع أكثر من علامة استفهام على عملية تشكيل حكومة بزشكيان واختيار وزرائه، أنه وقبل بدء التصويت على منح الثقة لتشكيلته الوزارية يوم أمس الأربعاء، دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أعضاء البرلمان إلى تأييد تشكيلة الحكومة، مؤكدًا عدة مرات أنه نسق قائمة الوزراء مع المرشد الأعلى للنظام في إيران. وبعد تصريحاته هذه، منح البرلمان الثقة لجميع وزرائه من دون استثناء.

إقرأ أيضاً: التهديد الجدي للنظام الإيراني

ويبدو واضحًا أنَّ الضجة التي أثيرت حول تصريح بزشكيان هذا، ولا سيما من حيث إنها أكدت أنَّ بزشكيان ليس إلا مجرد واجهة للولي الفقيه خامنئي، وانعكاسها سلبًا على الديمقراطية المزعومة للنظام، قد دفعت شخصية مثل حسين شريعتمداري، مدير صحيفة كيهان وممثل خامنئي فيها، للرد بشدة على بزشكيان من أجل حفظ ماء وجه ديمقراطية النظام الإيراني التي باتت الثقة معدومة فيها، وأن الأمور يتم هندستها وطبخها مسبقًا!

وفي هذا السياق، كتب شريعتمداري في افتتاحية صحيفة كيهان: "أشار السيد بزشكيان في الجلسة العلنية للبرلمان يوم أمس، وقبل ذلك أيضًا، إلى أنه تم التنسيق مع القائد الأعلى (المرشد) في اختيار جميع الوزراء. هذا الادعاء من جانبك سرعان ما أصبح ذريعة وحجة للأعداء العلنيين للنظام، حيث استغلوا تصريحات السيد بزشكيان لانتقاد الديمقراطية ومكانة البرلمان وحتى صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران". ولكن يبدو أن السيف سبق العذل، وأن تبرير شريعتمداري قد جاء متأخرًا، ولا سيما بعد أن فاحت الرائحة الكريهة لطبخة بزشكيان - خامنئي.

إقرأ أيضاً: نابُ كلب في جلد خنزير

كل من ينتظر التغيير من داخل هذا النظام، فكأنه ينتظر حدوث المعجزة، ولا سيما بعد أن صار واضحًا أن مزاعم الاعتدال والإصلاح ليست أكثر من حبر على ورق وللاستهلاك الداخلي والدولي. وقد أجادت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من جانب المقاومة الإيرانية، في القول بهذا السياق عندما أكدت أن: "كل شيء يشير إلى أن حكومة الملالي الجديدة، مثل الحكومات السابقة، هي مجرد أداة في يد خامنئي والحرس، وليس لها أي تغيير في المكونات الرئيسية لسياسة النظام، وخاصة القمع والنهب والمشاريع النووية والإرهاب وإثارة الحروب في الخارج".