في يوم الثلاثاء 20 اب (أغسطس)، اختتم البرلمان الإيراني يومه الرابع من التدقيق المكثف في مرشحي حكومة الرئيس الجديد مسعود بزشكيان. وكشفت هذه الجلسة، التي تناولت وزارات رئيسية مثل الصناعة والثقافة والداخلية، عن مدى تأثير المرشد الأعلى علي خامنئي في توجيه وكلائه في البرلمان لتشكيل الحكومة الجديدة. هدف خامنئي واضح: ضمان تطهير حكومة بزشكيان من أيّ عناصر قد تتحدى سلطته وجعلها متماشية تمامًا مع أجندته المتشددة.

من البداية، كان واضحًا أن نفوذ خامنئي هو المحرك الرئيسي لعملية التدقيق. وقد أكد بزشكيان بنفسه أنَّ "جميع الوزراء المقترحين قد تمت مراجعتهم بالتشاور مع أعلى المستويات في البلاد".

وقد تجلى هذا التحكم الصارم عندما أعلن محمد أتابك، المرشح لمنصب وزير الصناعة، ولاءه المطلق للمرشد الأعلى، مشددًا على أن خططه للوزارة متوافقة تمامًا مع السياسات العامة للدولة وخطة التنمية السابعة.

التنافس الداخلي والصراع
أثناء مناقشة ترشيح عباس صالحي لمنصب وزير التراث الثقافي والسياحة والحرف اليدوية، انتشرت منشورات تتهمه بسوء إدارة قضية أمنية حساسة، مما أدى إلى فوضى في الجلسة. هذه المنشورات اتهمت صالحي، الذي كان رئيساً للمخابرات في خوزستان، باستخدام العنف ضد أعضاء النظام الموالين. أدى توزيع هذه المنشورات إلى استياء كبير، ودفع رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف إلى إدانة هذه الخطوة باعتبارها غير قانونية.

تسبب رد فعل قاليباف في تصاعد التوترات بين النواب، مما أدى إلى مواجهة بينهم على المنصة. واستمرت الجلسة في التوتر، مما أجبر صالحي على التوقف عن الدفاع عن نفسه وسط ازدياد الاتهامات، في مشهد عكس عمق التنافسات وعدم الثقة داخل النظام.

يمكن إرجاع هذه الصراعات إلى التاريخ الطويل من الانقسامات بين العصابات المختلفة داخل نظام الملالي، حيث يسعى كل فصيل إلى تعزيز نفوذه على حساب الآخر. من المهم أن نتذكر أن نظام الملالي شهد صراعات مماثلة في فترات سابقة، خاصة بعد وفاة الخميني، مؤسس النظام، حيث دخل النظام في دوامة من التنافس على السلطة، وهي صراعات ما زالت تؤثر على استقراره حتى اليوم.

واجه صالحي أيضًا انتقادات حادة بسبب تصريحاته السابقة حول مزاعم تزوير الانتخابات في 2009، مما زاد من حدة المعارضة ضده.

إقرأ أيضاً: إيران على صفيح ساخن

وفي سياق مشابه، واجه المرشح لمنصب وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا، حسين سيماي صراف، انتقادات شديدة بسبب مشاركته كمستشار قانوني خلال انتخابات 2009 المثيرة للجدل. واعتبر النائب علي خيزريان أن الأفراد الذين شككوا في نزاهة تلك الانتخابات لا ينبغي لهم شغل مناصب رئيسية، مما عكس تصاعد التنافس الداخلي.

في خضم هذه الصراعات، من المهم ملاحظة أن الانقسامات الداخلية ليست مجرد انعكاس لتنافس سياسي عادي، بل تعكس أزمة أعمق تواجهها سلطات النظام في محاولتها الحفاظ على تماسكه في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة والعقوبات الدولية. هذه الضغوط تجعل الصراعات الداخلية أكثر حدة، حيث يسعى كل فصيل إلى تحميل الآخر مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.

في خضم هذه التوترات السياسية، اضطر بعض المرشحين للاعتراف بالوضع الصعب الذي تواجهه البلاد. اعترف حسين سيماي صراف، المرشح لمنصب وزير العلوم، بحالة المؤسسات التعليمية المزرية، حيث أشار إلى أن 30 بالمئة من الطلاب يحتاجون إلى خدمات الصحة العقلية.

كما تركزت نقاشات النواب حول عباس صالحي، المرشح لمنصب وزير الثقافة، على التزامه بإنفاذ قوانين "العفة والحجاب"، مما يعكس الولاء الإيديولوجي المطلوب من الوزراء.

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني يبرر مجازر الثمانينيات بمحاكمات صورية

لقد أظهرت هذه الجلسات البرلمانية أن النظام يعاني من انقسامات حادة وصراعات داخلية، مما يعزز هشاشة حكم خامنئي. وعلى الرغم من وفاة إبراهيم رئيسي، يسعى خامنئي إلى ضمان تشكيل حكومة مطيعة تمامًا، مما يكشف عن مدى ضعف النظام في مواجهة التحديات المتزايدة.

ومع ذلك، من الضروري أيضاً النظر في ردود فعل الشارع الإيراني تجاه هذه الصراعات. الشعب الإيراني، الذي يعاني من ظروف اقتصادية قاسية وتضييق على الحريات، قد يرى في هذه الصراعات مجرد لعبة سياسية تهدف إلى تعزيز سلطة النظام بدلاً من معالجة المشاكل الحقيقية التي تواجه البلاد. توضيح أبعاد هذا الغضب الشعبي يمكن أن يوضح مدى خطورة الوضع بالنسبة للنظام ككل.

المرشحون المحميون
خلال عملية التدقيق، كان بعض المرشحين محصنين تقريبًا بسبب دعمهم من خامنئي، مما حال دون انتقادهم. وأشار الناشط السياسي عباس أمير فارغ إلى أنَّ البرلمان، تحت توجيهات خامنئي، يتعاون بشكل كامل مع الوزراء المدعومين من قبله، مما يضمن مرور ترشيحاتهم بسهولة. في المقابل، واجه مرشحون آخرون مثل المرشح لمنصب وزير النفط انتقادات لعدم تمتعهم بدعم مماثل، مما يعكس التباين في مدى حماية بعض المرشحين عن الآخرين.

إقرأ أيضاً: بزشكيان.. ظل خامنئي الوفي

وفي النهاية، يمكن القول إنَّ صراع العصابات داخل نظام الملالي، وسيطرة خامنئي على مفاصل الدولة، يكشفان عن مدى الهشاشة التي يعاني منها النظام. في الوقت الذي يحاول فيه خامنئي تعزيز قبضته على السلطة، قد تكون هذه الصراعات الداخلية إشارة إلى ضعف النظام أكثر من قوته. المستقبل القريب قد يكشف ما إذا كان النظام قادرًا على التكيف مع هذه التحديات أم أنه سيتفاقم ليواجه أزمات أكبر في الداخل والخارج. کما أکدت مریم رجوي، رئیسة الجمهوریة المنتخبة من قبل المقاومة الإیرانیة في وقت سابق: كل شيء يشير إلى أن حكومة الملالي الجديدة، مثل الحكومات السابقة، هي مجرد أداة في يد خامنئي والحرس، وليس لها أي تغيير في المكونات الرئيسية لسياسة النظام، وخاصة القمع والنهب والمشاريع النووية والإرهاب وإثارة الحروب في الخارج.