حتى الآن، لا أحد يعرف متى سيتوقف العدوان على قطاع غزة، فالضربات الجوية الإسرائيلية مستمرة، وعدّاد الشهداء والجرحى لا يزال في ارتفاع مستمر، في ظل عدم التوصل إلى حل لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات لإنقاذ ما تبقى من سكان القطاع، الذين يواجهون خطر الموت جوعًا.

من خلال قراءة المشهد ومتابعة الأحداث في غزة، يبدو أنَّ هدف إسرائيل الأول هو إنهاء حكم «حماس» في القطاع، بل والقضاء على الحركة نهائيًا، ويؤكد ذلك سلسلة الاغتيالات المتتالية لقيادات الحركة، وكان آخرها اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران.

المخطط الإسرائيلي الذي يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تنفيذه لتحقيق انتصار شخصي أمام الرأي العام في تل أبيب، ولتهدئة الغضب العارم بسبب أسر الرهائن والجنود، قد يبدو مستحيل التنفيذ أمام حالة الصمود غير المسبوقة لأصحاب الأرض في غزة، الذين يتمسكون بوطنهم، ويؤمنون بأنهم سينتصرون في النهاية لأنهم أصحاب الحق.

ورغم صعوبة المشهد، من الضروري التفكير بجدية في مستقبل قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار. بعض المقترحات طالبت بنشر قوة عربية مشتركة لحفظ السلام في غزة بعد انتهاء الحرب. في المقابل، اقترح الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، إنشاء إدارة مشتركة تضم أميركا، أوروبا، الدول العربية، والسلطة الفلسطينية لإدارة الشؤون المدنية في غزة إلى حين تشكيل حكومة جديدة، على أن تحافظ إسرائيل خلال ذلك على درجة من السيطرة الأمنية.

لا تزال إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عاجزة عن الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار والتوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية. بل إنها تمد الكيان الإسرائيلي بمساعدات عسكرية من حين لآخر. لذلك، لا توجد رؤية واضحة بشأن الدولة الفلسطينية وخارطة طريق لإقامتها، ولن تحقق القوات العربية نتيجة أفضل من القوات غير العربية، أياً تكن جنسياتها أو ارتباطها الديني والثقافي المفترض بالفلسطينيين.

إذا نظرنا إلى الحل النهائي والعادل للقضية، فإنه يكمن في دعم السلطة الفلسطينية لاستعادة سيطرتها على قطاع غزة، الذي انتزعته حماس بالقوة. لكن السؤال هو: هل من المفترض أن تعمل قوة حفظ السلام على نزع سلاح عناصر حماس وغيرهم من المقاتلين، أو اعتقالهم، أو تفكيك منظماتهم؟ وهل ستتولى تمشيط قطاع غزة بالكامل؟

نشر قوات عربية أو قوات تابعة للسلطة الفلسطينية قد يؤدي إلى تفاقم الانقسام السياسي والتدهور الاجتماعي في غزة، وقد تنجم عن ذلك تداعيات محتملة تطال الفلسطينيين في الضفة الغربية. لقد ظهرت بالفعل لمحات من عنف العصابات والعشائر في غزة نتيجة الضعف الذي أصاب شرطة حماس وتراجع سيطرتها الأمنية العامة.

لقد كانت السلطة الفلسطينية عقلانية في رفضها الانجرار إلى حفظ أمن غزة دون الحصول على ضمانات بإطلاق مسار دبلوماسي يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية. ساهمت دول أوروبية في الاعتراف بدولة فلسطينية تتمتع بكامل الحقوق والواجبات التي تتمتع بها الدول المستقلة، وأعادت تقييم الأوضاع، وأدركت الولايات المتحدة صعوبة تنفيذ المخطط الإسرائيلي بإنهاء القضية الفلسطينية وتهجير أهالي غزة.

إقرأ أيضاً: نتنياهو وأوهام النصر

إذا لم تتوفر الظروف اللازمة لمنح الفلسطينيين دولتهم، فعلى الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة التي تنادي بحفظ السلام في غزة وتمنع في الوقت نفسه إقامة الدولة الفلسطينية، أن تتحمل بالكامل مسؤولية فكرتها هذه، كما يجب عليها تحمل المسؤولية عن العواقب المترتبة عنها.

في القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في البحرين، طالبت الدول المشاركة في البيان الختامي بنشر قوات دولية في غزة لحماية الفلسطينيين والإشراف على توزيع المساعدات. لكن ظهرت مخاوف أخرى من وجود قوات خارجية، سواء عربية أو دولية، في غزة، بسبب عدم وضوح دور هذه القوات ومهامها، خاصة في ظل استمرار عمليات القوات الإسرائيلية في غزة.

ويجب على إسرائيل أن تتكيف مع فكرة التعايش مع سكان غزة، لأن وجود أي قوة غير فلسطينية قد تصطدم بالفلسطينيين أو بحركة حماس، وقد يعتبرها الفلسطينيون قوة احتلال بديلة لإسرائيل. ووجود القوات بدون مهام محددة، وصلاحيات واضحة، وتنسيق مع السلطة الفلسطينية، قد يؤدي إلى إشكاليات كبيرة على عدة مستويات، وخاصة السياسية منها والأمنية.

إقرأ أيضاً: اغتيال هنية وشكر.. إيران تكتفي بالتصريحات!

نتنياهو هو الأكثر احتياجًا لخروج آمن من غزة، خاصة في ظل استمرار وجود رهائن لدى حماس، واتجاه الأمور للتصعيد مع إيران وأذرعها في المنطقة بعد اغتيال هنية في قلب طهران وقيادات بارزة في حزب الله، ولذلك بات الخروج الآمن من غزة ضرورة ملحة.

من المستحيل أن تتولى الحكم في غزة أي جهة غير فلسطينية، وهنا تأتي فكرة إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية، التي تأسست عام 1994 بموجب اتفاق أوسلو. لذلك، فإن السلطة الفلسطينية هي الأقرب لما يمكن أن يكون حلًا واقعيًا لحكم غزة بعد الحرب.

كل السيناريوهات والمقترحات التي تم طرحها ومناقشتها في الاجتماعات، والتي خرجت بها بيانات رسمية من الأطراف التي تشارك في محاولة إيجاد حل لوقف الحرب، غير مقبولة واقعيًا بدون وجود فعلي للسلطة الفلسطينية، صاحبة الحق الأصيل في إدارة قطاع غزة وكل شبر من أرض فلسطين.

إقرأ أيضاً: الفلسطيني محمد حمادة.. بطل من رحم المعاناة

الأمر يتطلب من كافة الأطراف دعم السلطة الفلسطينية بشكل كامل وفوري لاستعادة مكانتها وحقها في حكم غزة المسلوب، وهو الأمر الذي سيضعف قدرات حماس ويعزز دور السلطة الفلسطينية. لذلك، من الضروري عقد قمة عربية طارئة للاتفاق على وضع خطة لمستقبل قطاع غزة عقب وقف إطلاق النار.

عقد قمة عربية في الوقت الراهن قد يساهم بشكل كبير في تحديد من يتولى إدارة قطاع غزة خلال الفترة القادمة ما بعد الحرب، من خلال وضع خارطة طريق أساسها عودة قطاع غزة لإدارة السلطة الفلسطينية، وغلق الباب أمام المحاولات الغربية لتحديد مستقبل غزة، والتي من المؤكد أنها ستغلب مصلحة إسرائيل على الفلسطينيين. لذلك، من الضروري وضع السلطة الفلسطينية على رأس خطة مستقبل غزة، وهو السبيل المنطقي للتوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية، أساسه حل الدولتين لتحقيق الاستقرار في المنطقة.