عندما تكون أهداف الملالي توسعية، تهون القدس وألف كربلاء، ولا بأس من التضحية وإعادة هيكلة حماس...

لم يرَ العرب خيرًا من النظامين الجارين في إيران، سواءً الشاهنشاهية المخلوعة أو النظام الظلامي القائم اليوم في إيران، والذي كان بئس الخلف لبئس السلف. ولم يكن الملالي الحاكمون في إيران اليوم، المتطاولون على دول وشعوب المنطقة، إلا هم أنفسهم حاشية السلاطين الساعين لإرضاء السلاطين والظفر بهباتهم وعطاياهم. وهكذا فعلوا مع السلاطين على مر التاريخ، وهكذا يفعلون اليوم. كانوا مع الشاهنشاهية في إيران يدعمون بغيها، يعظمون شرها، ويحافظون عليه، ويصيبون من خيراتها على حساب الغالبية العظمى من الشعب المغدور في جانب، والمضطهد المنكّل به في جانب آخر.

على سبيل المثال، لم يسلم العراق من عبث الشاهنشاهية في إيران حتى تدخل الزعيم الجزائري الراحل هواري بومدين، رحمه الله، وأنهى مؤامرة الشاه على العراق، ليتمخض الأمر عن اتفاقية الجزائر عام 1975، التي أنقذت الدولة العراقية من جحيم فتنة الشاه. ولم تقتصر مؤامرات الشاه وتطاوله على العراق فحسب، بل طالت يده ونواياه الباطلة جميع بلدان المنطقة حتى بات يسعى لفرض نفسه كسيد على المنطقة.

ما إن وصلت عمائم الجاهلية إلى سدة السلطة في إيران، متسلقةً على جماجم الشهداء والمغدورين، مدنسةً أماني الشعب المقدسة، حتى أخلصت لمسيرة الشاهنشاهية بكل تفاصيلها، بل وأبدعت في طغيانها وبغيها حتى شكا منها تراب الأرض في إيران وما حولها. وأول إبداعاتهم كان عدوانهم على العراق بعد ضرب اتفاقية الجزائر عرض الحائط.

فور تمكن ملالي الادعاء من السلطة في إيران، أعادوا ما فعله الشاه واستخدموا نفس الأدوات، وتنكروا لاتفاقية الجزائر وأعلنوا حربًا على العراق هدفها التوسع والتمدد من العراق بعد احتلاله إلى جميع الدول العربية في آسيا كمرحلة أولى. ومن بعدها، يسهل الوصل مع ادعاءات تاريخية تتعلق بالدولة الفاطمية والعبيدية، لا علاقة للملالي بها إلا من باب الادعاء، لكنها وسائل لبلوغ الغايات. وكان شعار الحرب على العراق تحرير القدس، ولأجل ذلك يتطلب الأمر احتلال العراق ودول عربية أخرى، وليس احتلال تركيا والدخول منها إلى أراضي سوريا، ثم دخول فلسطين دخول الفاتحين، حسب رواية الملالي وتطبيل جنودهم. تلك الرواية وذلك التطبيل اللذان لا يزالان قائمين بفضل أجيال القطيع المتعاقبة على نفس الأنغام والأكاذيب.

انتهت حرب الثمانينيات التي شنها الملالي، معتقدين أنها جولة ساعات إلى العراق وتنتهي منه وصولاً إلى جوار العراق، واندحر الملالي ونجا العرب من شر محدق بهم بعد نصر العراق وتجرع الخميني كأس السم وفشل مخططه. وجاء احتلال العراق عام 2003 ليكشف عوراتهم ويفضح نواياهم بشأن المنطقة والإسلام والقدس وفلسطين. بعد أن احتل الملالي العراق وتمكنوا من سوريا ولبنان، لا زالت القدس محتلة ولا زالت فلسطين أسيرة، ولن تتحرر اليوم إلا باحتلال السعودية والأردن، ومع ذلك لن يقدم الملالي على تحرير القدس أو شبر واحد من فلسطين. ذلك لأنهم يسعون للتوسع، ومن جاء بهم لم يضع لهم ذلك ضمن أهدافهم المسموح تحقيقها. والتكليف لديهم هو إبقاء المنطقة على كف عفريت يمكنهم من ابتزازها ومساومتها والمساس بسيادتها.

بالأمس البعيد، خططوا لضرب منظمة التحرير وما حققته في مقتل وإنهاء القضية الفلسطينية، فدعموا حماس وأخواتها. وبالأمس القريب، خططوا لطوفان الأقصى وحرب حتى آخر فلسطيني في غزة، ورفض أي دعوة لوقف إطلاق النار باعتبارها خيانة، وكيل بألف مكيال. واليوم، خريطة طريق جديدة بعد مقتل إسماعيل هنية، وإمكانية القبول بوقف إطلاق نار دائم في غزة. هذا مطلب جديد لملالي إيران يتناقض مع تصعيد الأمس، وكذلك يتناقض مع جلبة حق الرد على سيادة وكرامة الملالي المهانة.

إقرأ أيضاً: شعبٌ في الجحيم

بدلاً من تحرير القدس، تم احتلال العراق وسوريا واليمن ولبنان. ويتطلب الأمر احتلال دول عربية أخرى، ولأجل بلوغ الغايات كل الوسائل مشروعة ومباحة، بما في ذلك صناعة وتجارة وتهريب المخدرات والسلاح وهدم المجتمعات العربية والإسلامية على وجه التحديد... أما ردود الأفعال وقواعد الاشتباك لدى الملالي فتختلف من مكان إلى آخر. فهي رادعة وفتاكة مدمرة إن تعلق الأمر بالرد في العراق أو سوريا، وتكون رحيمة حذرة ومنسقة مسبقاً بعد انبطاح طويل ومحبب إن تعلق الأمر بالرد على سلطات الاحتلال في فلسطين المحتلة.

يقولون "أهل مكة أدرى بشعابها"، ومن الخبرة والتجارب ما يجعلك بالقرب من الحقيقة التي يلم بها أهل مكة ويتجاهلونها، في حين أننا أنا وأنت لسنا مضطرين إلى ذلك. وتلك نعمة كبرى من الله أن حرر قيودنا ومكننا من إرادتنا. الشعوب العربية، خاصة الشعب الفلسطيني والعراقي واللبناني والسوري واليمني والأردني، هي أكثر الشعوب التي من المفترض أن تكون قد وعت الدرس جيداً بعد احتلال أربع دول ونشر الأسلحة والمخدرات في كافة دول المنطقة.

إقرأ أيضاً: المقاومة الإيرانية صخرة بين مطرقة المؤامرات وسندان النظام العالمي

أعظم آلامنا اليوم هو القبول بضرب منظمة التحرير والغدر بالقضية الفلسطينية وإبادة غزة. وكم هو موجع الإصرار العربي على تجاهل حقيقة ملالي إيران وخطورة نواياهم، في الوقت الذي لم تعد هناك حقيقة غائبة عن العرب، خاصة بعد طوفان الأقصى وما نتج عنها من كوارث؛ (عاصفة الأقصى) وهو الاسم الصحيح، وما نتج عن العاصفة من كوارث ومستجدات سياسية بالمنطقة انتهت اليوم بدمار غزة وضياع الحق الفلسطيني وإعادة هيكلة قيادة حماس بالشكل الملبي لمصالح نظام الملالي وواجباتهم تجاه من وضعهم على سدة الحكم في إيران، سواء كان محمد خاتمي الرئيس أو أحمدي نجاد أو حسن روحاني أو إبراهيم رئيسي وحتى هذا الجديد الذي جاء ليداعب المنطقة والعالم من جديد عله يأتي بشيء مما أتى به خاتمي في زمانه.

خلاصة القول، لا خير يُرجى من هذا النظام فجميعهم "كتاكيت فقست وتفقس تحت عباءة واحدة"، ودُمى تُدار من لدن مهرج واحد. وفي حالٍ كحالنا هذا، يجب أن نوجب المواجهة على البكاء، وألا نتفرج على معاناة الآخر، أو أن نتفرج ونقف دون أدنى مبالاة أمام نضال الشعب الإيراني الذي يريد التحرر من الملالي الطغاة. علماً بأننا وتاريخنا ومصائرنا ومقدساتنا اليوم رهائن بيد الملالي ومشاريعهم التوسعية. ما يُقال كثير، والعبرة في الخواتيم.