قد لا يعرفها الكثيرون، بالرغم من أنها إحدى قطبي رحى أشد الصراعات في الشرق الأوسط؛ إنها المقاومة الإيرانية (المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية)، أعرق مظلة وطنية إيرانية تقدمية متجذرة يتآلف تحتها العديد من القوى الوطنية الإيرانية الأصيلة وفق رؤية سياسية متفق عليها في مواجهة نظام الملالي الرجعي الحاكم في إيران. يعتمد المجلس برنامجاً سياسياً يطرح تصوراً أفضل لمستقبل إيران ويلبي مطالب جميع الإيرانيين مستنداً إلى تشريعات تراعي كافة أشكال التنوع في المجتمع الإيراني وتحترم مبادئ المساواة والحريات العامة. يولي المجلس اهتماماً كبيراً بحقوق المرأة وحقوق الإنسان، وللمجلس رؤية دستورية كذلك تتضمن العديد من المؤسسات التي تجعل منه حكومة ظل مكتملة الأركان قادرة على إدارة دفة الحكم في إيران بنجاح في المرحلة الانتقالية، مرحلة ما بعد إسقاط نظام الملالي. ولأجل ذلك أجمعت المقاومة على انتخاب السيدة مريم رجوي رئيسة للجمهورية للمرحلة الانتقالية، وبعدها يتم تسليم السلطة لسيادة الشعب في ظل وجود جمهورية ديمقراطية حرة تعددية وغير نووية تحترم الجوار وتتعايش بسلام مع جيرانها والعالم. هذا هو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية باختصار لمن لا يعرفه.

بعد استيلاء الملالي على الثورة الوطنية الإيرانية التي أسقطت دكتاتورية الشاه عام 1979 وقيامهم بسلب مكتسبات الثورة وتهميش كافة القوى الوطنية غير المتوافقة معهم في توجههم السلطوي، وفرضهم لسلطة استبدادية ثيوقراطية شمولية لم تجعل من الملالي ولاة عهد مخلصين لدكتاتورية الشاه فحسب، بل وأشد بغياً وظلماً وقمعاً، وتمكن منها الغرور حتى باتت تحمل الشعب الإيراني تبعات طموحها التوسعي خارجياً كما يرى ويسمع العالم الآن. من هنا جاء قيام المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لمواجهة هذا النظام الكارثي الذي حل على إيران وشعبها ودول وشعوب المنطقة، والمجتمع الدولي الذي أبدى مع فائق الأسف مرونة كبيرة مع نظام الملالي كصانع أزمات يلبي طموح ورغبات القوى الكبرى ويحمي مصالحها، الأمر الذي شجع نظام الملالي على استخدام سياسة البطش والقمع والقتل والملاحقة ضد معارضيه. وقد تغاضى النظام العالمي عما هو أكبر من ذلك عندما قام نظام الملالي بارتكاب أبشع مجزرة إبادة جماعية في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية بحق 30 ألف سجين سياسي من خيرة أبناء الشعب الإيراني، أبيدوا بفتوى شرعية من خميني لكونهم أعضاء في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة التي ترفض استبداد الملالي. وبالتالي كانت هذه الفتوى غير شرعية من الناحية الدينية، لكن الملا السياف المفتي استخدم الدين بالباطل كحق في الظاهر يُراد به باطل في واقع الأمر. وببغي الملالي وتستر النظام العالمي حدثت تلك المجزرة، واستمر منهج القتل الحكومي على يد سلطات الملالي تحت مسمى الإعدام، علماً بأن الإعدام يحتاج إلى مظلة قضائية عادلة وهو ما يفتقر إليه الملالي، ولا يخدم نظامهم السياسي الذي نشأ على الباطل ولا يمكنه الحياد عنه. يدعم وجوده على هذا النهج القمعي تيار المهادنة والاسترضاء العالمي الذي يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في استمرار مأساة الشعب الإيراني ووضع قيود على منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية. وقد أطالت تلك القيود من عمر نظام الملالي، وعظمت من حجم وعمق المأساة الاجتماعية في إيران، وكانت أساساً لتدهور الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، إذ يهيمن الملالي اليوم على دول كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، ويعبثون بالشأن الفلسطيني، ويثيرون القلاقل في الملاحة الدولية، واليوم يعلنون أن خلافهم مع الإدارة الأمريكية على حجم حصص النفوذ في الشرق الأوسط.

المقاومة الإيرانية وصناعة النصر
عندما يأتي الحديث عن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة في سياق الحديث عن المقاومة الإيرانية، فإننا نتحدث عن المنظمة المحورية داخل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وليس بعيداً عن المجلس. قد تربطنا بالمنظمة روابط عديدة، لكننا لا نعزل بينهما من الناحية الاستراتيجية. كارتباط قيمي، نتحدث هنا عن منظمة تناضل منذ ما يقرب من 6 عقود ضد الدكتاتورية في إيران، دكتاتورية نظام الشاه، ودكتاتورية الملالي، في مسيرة قدمت خلالها أكثر من 120 ألف شهيد أضيفوا إلى التراث النضالي للمقاومة الإيرانية وسطروا العديد من الملاحم البطولية بدماء شهدائهم، تحصن رايتهم وتلزمهم بقداسة المسيرة النضالية وحتمية النصر حتى وإن طال الزمن وتعاظمت المؤامرات والعقبات.

في مسيرة نضالية ملحمية نقية متواصلة كنا شهوداً عليها، وشهوداً على مظلوميتهم خاصة العدوان الذي تعرضوا إليه في العراق منذ عام 2003. بعد أن نزعت قوات التحالف الدولية أسلحة جيش التحرير الوطني وحققت مع كافة عناصر مخيم أشرف في العراق واعتبرتهم قوات التحالف الدولية في العراق من الناحية القانونية أفراداً محميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. وعلى الرغم من ذلك، قام عملاء نظام الملالي في العراق بمحاصرة مخيم أشرف والاعتداء عليه وعلى سكانه الأبرياء العزل على مرأى ومسمع قوات التحالف الدولية نفسها والأمم المتحدة. هناك شهود دوليون على تلك الاعتداءات وعلى مجازر وقعت في أشرف ليست الأولى في تاريخ منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، بل كانت امتداداً لمجازر الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الملالي في عقد الثمانينيات من القرن الماضي. آخر مجزرة حدثت في مخيم أشرف كانت أيضاً بعد أن تعهدت كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والسلطة العراقية في حينها، بعد الاتفاق على الانتقال إلى معسكر ليبرتي الذي يفترض أنه صالح للعيش والإقامة فيه بحسب قول الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ولم يكن كذلك. حتى بعد انتقالهم من أشرف إلى ليبرتي لم تتوقف مؤامرات الملالي وانهالت عليهم الصواريخ من كل حدب وصوب حتى انتقلوا من ليبرتي في العراق إلى ألبانيا ليبدأوا مرحلة جديدة من النضال الشاق والمر بسبب استمرار مؤامرات الملالي وتيار المهادنة والاسترضاء ضدهم حتى اليوم. هذا أمرٌ لم يخفيه الملالي فقد اعترفوا بخضوع الغرب لمطالبهم.

إقرأ أيضاً: إشاعة الفقر والبغي والإعدامات العنصرية

سياسياً، لم تتوقف مؤامرات الملالي وهجماتهم، واستطاع الملا محمد خاتمي في حينها أن يخدع الغرب والولايات المتحدة حتى يفرضوا العديد من القيود على المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق. لكن المنظمة والمقاومة انتصرت على هذه المؤامرات وحطمتها على صخرة صمود المقاومة وبالطرق القانونية. باءت مؤامرات ولي الفقيه وجنوده بالفشل، ولا زالت مؤامراتهم إلى اليوم قائمة، ولا زالوا يتحطمون على صخرة المقاومة كما تحطمت مطارقهم وسنادينهم ولم تتحطم المقاومة.

بالرغم من كل المؤامرات المحاكة ضد منظمة مجاهدي خلق، والقيود المفروضة عليها وعلى المقاومة، عقدت المقاومة الإيرانية قمتها السنوية العالمية 2023 العام الماضي، كما عقدت قمتها السنوية لهذا العام 2024 تحت نفس الظروف وأشد مما كان عليه الحال العام الماضي. إلا أنه تم عقد المؤتمر وإقامة تظاهرة مهيبة وملهمة في برلين بنجاح منقطع النظير. حضر المؤتمر العشرات من قادة العالم الحر بينهم رؤساء دول ورؤساء وزراء ووزراء، على رأسهم نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس، ومايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي السابق، وجون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، وأكثر من 5000 برلماني من كافة أنحاء العالم ومن دول عربية أيضاً، وقادة وخبراء وشخصيات عالمية كثيرة. استمر المؤتمر على وتيرة متواصلة من النجاح طيلة ثلاثة أيام، وكان للسيدة مريم رجوي خطاب يومي في هذا التجمع السنوي العالمي؛ خطاب تضمن مكاشفة صريحة لما قام به النظام العالمي من دعم لنظام الملالي في التآمر على المقاومة الإيرانية ومعاداة الشعب الإيراني، وإطالة عمر النظام الإيراني، والتستر على جرائمه في إيران والشرق الأوسط. نعم، لقد كان خطابها رسالة تحدي ووعداً بالنصر وإسقاط النظام.

إقرأ أيضاً: شعبٌ في الجحيم

وفي الوقت الذي تنتصر فيه المقاومة الإيرانية في قمتها السنوية العالمية 2024 من أجل إيران حرة، يفشل علي خامنئي وجنوده في مسرحية الانتخابات الرئاسية وينصب العزاء على بداية نهاية نظامه بعد تعاظم العزلة التي فرضها الشعب الإيراني على نظام الملالي القمعي. قد لا يجد النظام الإيراني عما قريب من يتلقى العزاء في مهلكه. تآمروا جميعاً إلى جانب نظام الملالي، فتحطمت مؤامراتهم على صخرة المقاومة، صخرة الصمود والتحدي. إن موعدهم الصبح وإن الصبح لقريب.

الاقتباس: خطاب السيدة مريم رجوي في اليوم الأول للمؤتمر