الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في 28 حزيران (يونيو) لم تنته بنتيجة حاسمة، وبالتالي ستدخل الأحزاب (المحافظة والإصلاحية) في جولة ثانية بعد تعادل فني بين الطرفين.

فالمرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي يتنافسان لتولي مكان الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، الذي هلك في حادث تحطم طائرة في 19 أيار (مايو)، وكلاهما يأمل أيضًا في كسب رضا (الناخب الإيراني)!

لكن ما علاقة الانتخابات الرئاسية الإيرانية بقانون سكسونيا؟

لعل من أعجب ما تفتقت عنه العبقريات الدكتاتورية عبر التاريخ ما كان يعرف بقانون سكسونيا، وهو قانون طبقته مقاطعة سكسونيا الألمانية في العصور الوسطى. ينص القانون على أن المجرم القاتل يقدم لساحة القصاص وتقطع رقبته جزاءً عادلاً إن كان من عامة الشعب، أما إن كان الجاني من طبقة النبلاء، الأرستقراطيين، أو رجال الدين، فإن ذات العقوبة تطبق عليه أيضًا، ولكن ليس على شخصه الكريم هذه المرة، بل على ظله الماثل خلفه حين تشرق الشمس! فكان يؤتى بالقاتل النبيل ليقف شامخًا مبتسمًا ساخرًا من الجلاد ومن الرعاع الذين حضروا ليشهدوا تنفيذ الحكم، ليهوي الجلاد بالفأس على ظل رقبته، وحينها يبتهج الحضور ويصفقون فرحًا لنفاذ الحكم وتطبيق العدالة!

إنَّ النسب المتواضعة والخجولة للمشاركات الشعبية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لم تكن مفاجئة للمراقبين، إن في الداخل الإيراني أو الخارج. فالجميع يدرك قانون سكسونيا الجديد الذي يمارسه الولي الفقيه وطبقة النبلاء الدينيين في طول البلاد وعرضها.

إقرأ أيضاً: بين هتلر والخميني

فالديمقراطية الإيرانية في حقيقتها واحدة من أكبر عمليات التحايل على الديمقراطية في التاريخ!

فالمواطن الإيراني لا ينتخب مرشحًا تفرزه الآليات الديمقراطية المعروفة، كما هو الحال في التقاليد الديمقراطية العريقة وغير العريقة حول العالم، بل هو مجبر من خلال الوصفة الإيرانية السكسونية على انتخاب مرشح يفرزه دكتاتور مستبد وطبقة نبلاء دينيين تابعة له، وهذا الدكتاتور المستبد قابع على كرسي الحكم حتى الموت - هكذا ضد أبسط قيم الديمقراطية - ثم يطلب من الجميع أن يشارك ويبتهج بهذه الديمقراطية العادلة! تمامًا كما كان يفعل شعب سكسونيا قبل ألف عام!

لذلك؛ فالمواطن الإيراني يدرك سلفًا أنه لن يرشح إلا من رشحه الدكتاتور أولاً!

إقرأ أيضاً: فك رموز رسالة خامنئي

بقي أن نشير إلى أن المظاهرات الإيرانية العارمة التي عمت شوارع باريس وبرلين وعواصم أوروبية أخرى تعد علامة فارقة ونقطة تحول حقيقي في تاريخ نضال الشعب الإيراني ضد حكومته. فالقدرة على حشد هذه الأعداد الهائلة من الإيرانيين في المنفى يطرح السؤال البديهي التالي: كيف لو أتيحت مثل هذه الحرية للتظاهر والاحتجاج هناك، داخل إيران، وليس في المنفى؟

لا شك أن النظام في هذه الحالة لن يصمد في أحسن حالاته أكثر من ساعات معدودة قبل أن يتهاوى ويسقط السقوط الأخير، والذي هو قادم لا محالة.