وُسمت العلاقات العربية الكوردية بين بغداد وأربيل، منذ نشأة الدولة العراقية عام 1921، بمصير واحد نحو حقوق مشتركة، وإن مالت دفة تأسيس تلك الدولة على حساب حقوق الكورد التي سلبتها المعاهدات عبر مختلف الحقب. انطلقت بعد ذلك سلسلة من الثورات الكوردية، ابتداءً من شيخ عبد السلام بارزاني، مرورًا بشيخ محمود الحفيد وثورات بارزان الكبرى بقيادة الشيخ أحمد بارزاني، وليؤسس بعد ذلك الخالد مصطفى بارزاني حقيقة عنوانها الحقوق الكوردية. تتابعت الثورات، ومنها ثورة أيلول (سبتمبر) الكبرى التي تكللت باتفاقية وقعت في 11 آذار (مارس) 1970 بين الحكومة العراقية والقيادة الكوردستانية، من أجل إنشاء منطقة حكم ذاتي تتألف من المحافظات الكوردستانية والمناطق المتاخمة الأخرى التي حددت حسب التعداد السكاني بأن لها أغلبية كوردية. وتنص الخطة أيضًا على تمثيل الكورد في الهيئات الحكومية، على أن تنفذ هذه الخطة في أربع سنوات. كان ذلك في وقته أهم محاولة لحسم الصراع العراقي – الكوردي الذي طال أمده. اعترفت الحكومة العراقية بالحقوق القومية للكورد مع تقديم ضمانات لهم بالمشاركة في الحكومة العراقية واستعمال اللغة الكوردية في المؤسسات التعليمية، ولكن لم يحصل وقتها حل حاسم بشأن قضية كركوك بسبب تنصل الحكومة العراقية من اتفاقية آذار.

لم تدم تلك الاتفاقية سوى خمس سنوات حتى عاد النظام الدكتاتوري في العراق لتوقيع اتفاقية الجزائر عام 1975، والتي تسببت بإثارة الكثير من النزاعات في تاريخ العراق، ليعود الكورد إلى الجبال ويبدأوا حقبة أخرى عنوانها النضال من أجل الحقوق المشروعة في ثورة گولان عام 1975، والتي توجت بعد ذلك بانتفاضة عام 1991. بعد الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، دخل الكورد طواعية لتأسيس العراق الفيدرالي الحديث، بمشاركة سبقتها مؤتمرات للمعارضة العراقية في أربيل والنمسا ولندن وواشنطن. منذ ذلك الوقت حتى تأسيس العراق الحديث مطلع عام 2005، كان للرئيس مسعود بارزاني دور بارز مع الراحل جلال طالباني في تحقيق الشراكة الكوردية من منطلق الفيدرالية في العراق والدستور الذي صوت عليه العراقيون من زاخو في إقليم كوردستان وحتى سفوان في البصرة.

شكل مفهوم العراق الفيدرالي الحديث بارقة أمل للكورد، وإن ركنت بعض مواد الدستور مثل المادة 140 وقوانين النفط والغاز ورواتب البيشمركة، وإن همشت أكثر من خمسين مادة أخرى دون تفسير لعدم تطبيقها. في كل حين وعند كل مناسبة، كان وما زال الرئيس مسعود بارزاني يؤكد على التوافق والتوازن والشراكة لإحقاق الحقوق وإنصاف جميع العراقيين، مع دعواته الدائمة في أن تكون قوة أربيل في بغداد وقوة بغداد في أربيل.

إقرأ أيضاً: إقليم كوردستان... مشاريع وإنجازات

لم تقف دعوات الرئيس مسعود بارزاني عند مناسبة معينة دون سواها، فهي ذاتها تكررت قبل أن يقتحم الإرهاب ثلث المساحة العراقية، وهي ذاتها التي تكررت بعد أن دخلت قوات البيشمركة والجيش العراقي لتحرير العراق من براثن الإرهاب الذي ما يزال يشكل تهديدًا في بعض مناطق العراق. أما عن دور الرئيس مسعود بارزاني في تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة ذات الأربع سنوات بعد مجمل الخلافات التي شابت العملية السياسية برمتها، فهي الأخرى كانت أساسًا في إعلان تسميات تلك الحكومات، وآخرها حكومة محمد شياع السوداني.

إقرأ أيضاً: علم كوردستان يرفرف في أميركا‎

بعد ستة أعوام، يتهيأ الرئيس مسعود بارزاني لزيارة بغداد. زيارة وصفت بالتاريخية قبل أن يعلن موعد الوصول. ملفات عالقة تحتاج إلى سرعة حلول، سيما بعد أن قدم الجانب الكوردي مجمل حلوله الدستورية إلى بغداد، ومنها ملف النفط وملف توطين الرواتب، يضاف إلى ذلك التنسيق العالي المستوى بين الداخلية العراقية وداخلية إقليم كوردستان، وتوحيد التعريفة الجمركية، والتناسق والتفاهم العالي المستوى بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كوردستان، بعد جملة الزيارات واللقاءات التي جمعت السوداني ومسرور بارزاني لتهيئة الظروف نحو حلول مستدامة.

يرى المراقبون أن زيارة الرئيس مسعود بارزاني إلى بغداد ستحدد الكثير من الأهداف وتحقق الكثير للعراق، إذا كان هناك تجاوب ونية لسد ثغرات الخلافات المتناسلة التي توسعت بعد عشرين عامًا بين بغداد وأربيل.