لعلها ظاهرة عراقية منفردة بامتياز، لا يشارك العراقيين فيها شعب آخر؛ ففي الأول من تموز (يوليو)، تستطيع أن تقول لنصف العراقيين "هابي بيرثدي" أو "عيد ميلاد سعيداً، لأنَّ دفاتر نفوسهم تحمل تاريخ تولد 1/7، وليس معنى هذا أن جميع هؤلاء قد ولدوا في هذا اليوم حقاً... فربما نسبة ضئيلة فقط ولا تكاد تذكر من بين هؤلاء قد ولدوا في هذا اليوم. ويمثل هذا اليوم الميلاد الرسمي (التوفيقي وغير الحقيقي) لملايين العراقيين الذين قدموا إلى الدنيا قبل عدة عقود، اختارته دائرة النفوس اضطراراً لجهل آبائهم بموعد ميلادهم الحقيقي وعدم امتلاكهم وثيقة ولادة رسمية. والسبب في هذه الظاهرة العراقية الخالصة أن آباءنا وأجدادنا يرحمهم الله جميعاً، كانوا لا يكترثون لتسجيل تاريخ ميلاد أي مولود يولد لهم، بل يتمهلون في التسجيل، وقد تمر سنوات لحين استحقاق الولد دخول المدرسة أو وصوله إلى سن التجنيد الالزامي فتتم مراجعة دائرة النفوس، فتسجله حسب ادعاء الوالد على السنة التي يتذكرها، وغالباً ما تكون السنة مقترنة بحدث ما، مثل (دكة رشيد عالي) ليقصد بها عام 1941، أو عام مقتل الملك غازي، أو غيرها من الأحداث، وحيث لا يتذكر الوالد اليوم بالضبط الذي ولد له مولوده فيه، تضطر دائرة النفوس (الأحوال المدنية) كمعالجة وسطية للأمر وحتى لا يغبن الولد سواء بالتسجيل بالدراسة أو السوق لخدمة العلم، أن تعتمد يوم الأول من تموز، ليصبح يوم ميلاد أعداد هائلة من العراقيين.

اعتادت وسائل التواصل الإلكتروني أن تبلغ المشتركين بيوم عيد ميلاد أصدقائهم المسجلين لكي يقوم بتهنئتهم، وقد تعودت أن أستلم يومياً إشعاراً بعيد ميلاد عدد من أصدقائي يتراوح بين 10 و20 اسماً، ولكن حين يأتي يوم الأول من تموز (يوليو)، أجد أن فايسبوك يبلغني بحلول عيد ميلاد حوالى 200 إلى 300 من أصدقائي!

وقد لاحظتُ أن بعض البلدان العربية (ومنها دول الخليج العربي) وغيرها لجأت إلى اختيار يوم 1/1 لتسجيل تولّد من لا يُعرف بالضبط يوم مولدهم، وكنت أحمل جواز سفر عراقياً (أس) مذكور فيه سنة التولد وليس يوم التولد، كما هي الجوازات العراقية قبل 2005، والخالية من تحديد يوم الولادة، وانما تذكر سنة التولد فقط، فتقوم سلطة الإقامة بتسجيل تولدي وغيري من العراقيين يوم (1- 1)، لأن جوازاتنا القديمة كانت تحمل سنة التولد وليس يوم التولد. كما أن الجوازات العراقية قبل 2005 كانت خالية من اللقب تنفيذاً لقرار صادر في السبعينيات بمنع استخدام الألقاب في الوثائق الرسمية.

يرحم الله والدي الذي كان مختلفاً عن كثير من الآخرين في زمانه، حيث اعتاد أن يثبت تاريخ ووقت ولادة كل منا في دفتر جيب يسجل فيه المعلومات والبيانات المهمة، ومنها تاريخ ولادة كل منا وحتى الساعة، وكان أهلنا في الكرخ كما سائر مدن العراق لا يلجأون للمستشفيات لتوليد النساء، بل يلجأون للقابلات المأذونات في مناطقهم. رغم ان المستشفى (في سوق الجديد) لم تكن تبعد عن بيتنا أكثر من مسافة خمسين متراً، إلا أن القابلة المأذونة الشهيرة في الكرخ (الجدة فطم يرحمها الله) كانت هي المولدة لمعظم مواليد المحلة ومنهم أنا وسائر اخواني العشرة.

يحاول البعض من الكتاب أن يفسر هذه الحالة ناسباً ذلك إلى الدكتور علي الوردي قوله "إن سبب ذلك يعود لأن يوم تسجيل العراقيين في إحصاء عامي 1947 و1957 صادف في أول يوم من شهر تموز (يوليو)، لذلك سجل أغلب العراقيين مواليدهم على تاريخ يوم الاحصاء"، وهذا غير صحيح إطلاقاً، لأنَّ معظم الاحصاءات العراقية جرت يوم 15 تشرين الأول (أكتوبر) وليس في تموز (يوليو). ولكن المعلومة الأدق ما ذكرته المصادر الرسمية من أن ذلك تم باقتراح من مدير النفوس العام في سنة 1964 أمين الهلالي، الذي جابهته مشكلة تاريخ الولادة قدم هذا الاقتراح باعتباره يمثل منتصف السنة.

عيد ميلاد سعيد لكل العراقيين من مواليد 1 تموز (يوليو)، وأدعو مواليد هذا اليوم إلى أن يحتفلوا سوية ويقيموا احتفالات مشتركة، ويفترض بالحكومة العراقية أن تجعل هذا التاريخ مناسبة سنوية؛ لحث أبناء العراق على توحيد الصفوف وإيجاد قاسم مشترك لحياة يتساوى فيها أفراد المجتمع كجسد واحد. ولنرفع أكفنا بالدعاء في الأول من تموز (يوليو) أن يحمي العراق وأهل العراق ومنهم من ولدوا في الأول من تموز (يوليو)... وعسى أن لا يبقى الحال على ما هو عليه.