بالعودة إلى نشرات الأخبار المتداولة يومياً، نسمع بأنَّ جماعة الحوثي أصدرت بياناً تزف فيه البشرى بأن قواتها قامت بقصف سفينة تجارية هنا أو هناك، أو سفينة شحن في المياه الدولية. ويظهر المتحدث الرسمي لجماعة الحوثي ليعلن عبر شاشات التلفزة أنَّ قواته قصفت سفينة تجارية في الموقع الفلاني، ويذكر نوع السلاح المستخدم، سواء أكان صاروخاً بالستياً أو طائرة مسيرة. هذا ما عرفته جماعة الحوثي وعرفه العالم وتم توثيقه عالمياً وباعتراف المتحدث الرسمي لجماعة الحوثي وبشهادة محطات التلفزة العالمية وتقارير شركات التأمين للسفن التجارية العالمية.

أما ما لا يعرفه الحوثي، فهو أنَّ شركات التأمين العالمية والدول العظمى تتولى إرسال سفنها القديمة المستهلكة والمحملة ببعض البضائع المزيفة أو المواد الفاسدة أو المواد عديمة القيمة، لتعبر المياه الإقليمية اليمنية بأمل أن يتم قصفها، فيتم تسجيلها ضمن الخسائر التي ستدفع حكومة اليمن مستقبلاً تعويضاتها بمبالغ خيالية وفقاً لما تقرره المحاكم الدولية؛ إنهم لا يتعظون من تجارب الآخرين وسيكونون ضحية لأفعالهم.

هذا بالضبط ما حصل للعراق إبان غزوه الكويت. صار النهب والسلب مباحاً للجيش العراقي، فسرقوا المعامل والسيارات والمحلات والأدوات. بعد انتهاء الحرب، تم تأسيس لجنة للتعويض عن الخسائر التي سببها نظام صدام حسين ضد الكويت. وقامت الأمم المتحدة والحكومة الكويتية والحكومة العراقية كل من جانبها بتأسيس لجان لتقدير التعويضات. وهنا كانت المفاجأة، فجميع السيارات التي سرقها الجنود العراقيون، ومنها القديمة والمستعملة، تم تقدير عددها بعشرة أضعاف العدد الحقيقي، وصنفت بأنها سيارات فارهة، وموديلاتها جديدة وغير مستعملة. فما تسبب الجيش العراقي بتدميره وسرقته في حرب احتلال الكويت، قدرت اللجنة العراقية قيمته الفعلية بأقل من ملياري دولار، بينما كانت تقديرات اللجنة الكويتية لما سرق ودمر تفوق 60 مليار دولار. أما اللجنة الأممية، فقدرت ما سرق ودمر بسبب الغزو العراقي للكويت بمئتي مليار دولار. التقرير الأممي هو الذي تتبناه الأمم المتحدة، ما يعني أنَّ العراق دفع تعويضات تفوق بمئة ضعف ما سببته مغامرة احتلال الكويت.

إقرأ أيضاً: من يقل يفعل!

هذا الغباء يتكرر اليوم وبنجاح ساحق في جمهورية الحوثي. جميع السفن التي دمرها الحوثي، ولو بشكل جزئي، سيدفع ثمنها وتعويضاتها للشركات الراعية بمئة ضعف من أموال الشعب اليمني المظلوم، الذي سيبقى لعشرات السنين يدفع فاتورة تهور وغباء الحوثي. وكذلك سيفعل الآخرون، فهم خريجو مدرسة واحدة. يأتون للحكم بشعارات ثورية ثم يحملون شعوبهم تعويضات لعشرات السنين. حتى إذا انتهت فترة التعويضات وأراد البلد أن يستعيد عافيته، يعود قادة ثوريون جدد بشعارات ثورية ودينية وحماسية ليرتكبوا حماقة جديدة، ومن ثم يبدأ مسلسل التعويضات لعشرات السنين من جديد. طالما هناك قادة أغبياء، هناك شركات تربح وتستفيد.

إقرأ أيضاً: لماذا حذر ترامب من حرب عالمية ثالثة؟

هيّا يا حوثيون؛ أصدروا بياناتكم الثورية الحماسية وادعوا العالم كله يشاهد على شاشات التلفزة مغامراتكم لتكون دليلاً على سوء أفعالكم. وما لا تعرفونه أيضاً أنه حتى لو لم تقصفوا السفن، ستقصفها جهات أخرى وتحرقها أمام موانئكم لتكونوا أنتم من يتحمل وزرها. وإن أنكرتم، فلن ينفع نكرانكم لأنكم أعلنتم عشرات المرات من قبل أنكم من يحرق السفن التجارية ويقصفها. فمن فمك أدينك.