تشهد أسواق النفط الخام استقراراً نسبياً، حيث يتم تداول العقود الآجلة ضمن نطاق ضيق ومتقلص. وقد انعكس ذلك خلال العام الماضي على شكل سلسلة من الارتفاعات المحدودة والانخفاضات التي لم تهبط كثيراً.

تجدر الإشارة إلى أن متوسط سعر العقود الآجلة الأميركية لغرب تكساس الوسيط منذ الربع الرابع من عام 2022 بلغ حوالى 79 دولاراً للبرميل، وهو ما يقل ببضعة دولارات فقط عن السعر السائد حالياً. ويسلط هذا الضوء على الدور الذي لعبته قرارات خفض الإنتاج التي اتخذها تحالف أوبك+ منذ نيسان (أبريل) من العام الماضي في تحقيق نوع من الاستقرار في أسعار النفط، وإن كانت هذه المستويات أقل على الأرجح مما كانت تتوقعه المجموعة في بادئ الأمر.

ويحتاج العديد من أعضاء التحالف إلى أن تتداول أسعار خام برنت، المعيار العالمي، بالقرب من 90 دولاراً للبرميل أو حتى تزيد عن ذلك، من أجل تحقيق التوازن في موازناتهم.

من منظور المستثمرين، لا يزال سوق النفط الخام يحقق عوائد تفوق بكثير ما يشير إليه التغير في سعر العقود الفورية. فبالرغم من ارتفاع تداول العقود الآجلة للشهر الفوري في خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 14 بالمئة منذ بداية العام، فقد وصل العائد الإجمالي الذي يشتمل على التأثير الإيجابي لتدوير العقود الآجلة المنتهية الصلاحية إلى العقود التالية بسعر أقل إلى 19.2 بالمئة. ويبرز هذا الواقع أنه طالما ظل العرض في السوق محدوداً نسبياً، فإنه من الممكن أن يحقق الاستثمار عائداً مجزياً حتى مع استمرار سعر العقود الفورية ضمن نطاق محدد.

بعد بداية ضعيفة نسبياً لهذا العام وسط مخاوف بشأن تراجع الطلب الصيني والتأثير السلبي لارتفاع تكاليف التمويل نتيجة حملة رفع أسعار الفائدة الأكثر شدة التي نفذها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي منذ عقود، شهدت أسواق النفط الخام منذ ذلك الحين ارتفاعاً. ويعزى معظم هذا الارتفاع إلى تقلبات علاوة المخاطر الجيوسياسية وما رافقها من عمليات شراء وبيع من قبل صناديق التحوط التي تسعى إلى تحقيق زخم في السوق.

إقرأ أيضاً: ماذا بعد ارتفاع أسعار الذهب؟

إلا أنَّ صناديق التحوط واجهت صعوبة في تحقيق ذلك خلال العام الماضي، وهو ما ينعكس في البيانات التي أظهرت مؤخراً انخفاض صافي المراكز الطويلة في عقود برنت وغرب تكساس الوسيط لفترة وجيزة إلى أقل من 200 ألف عقد أو 200 مليون برميل، وهو مستوى لم يُشاهد إلا مرتين خلال العقد الماضي. وقد جاء الارتفاع الذي شهدته الأسواق لاحقاً مدعوماً جزئياً من قيام المتعاملين بإعادة تأسيس مراكز طويلة مع إغلاق المراكز القصيرة التي تحقق خسائر.

بالرغم من أن الدراسات الاستقصائية تشير إلى انخفاض عام في المخزون، إلا أن معهد البترول الأميركي أفاد الليلة الماضية بحدوث زيادات في كل من مخزونات الخام والبنزين. نشهد حالياً ذروة موسم الطلب على الوقود، حيث يدفع زيادة التنقل خلال موسم الإجازات وارتفاع الطلب على الوقود للتبريد، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، إلى زيادة استهلاك الوقود. على سبيل المثال، تشهد المملكة العربية السعودية ذروة استهلاكها للنفط الخام خلال الصيف والتي تصل عادةً إلى حوالى 700 ألف برميل يومياً.

إقرأ أيضاً: النحاس وأسعار الفائدة وتباطؤ اقتصاد الصين

مع أخذ ذلك في الاعتبار، من المرجح أن ينصب التركيز في تقرير إدارة معلومات الطاقة اليوم على بيانات الطلب الضمني على أنواع الوقود الرئيسية الثلاثة: البنزين والديزل ووقود الطائرات. في الأسبوع السابق، وصل الطلب على البنزين على أساس أربعة أسابيع إلى مستويات الصيف الماضي، في حين ارتفع الطلب على وقود الطائرات إلى مستويات قريبة من مستويات عام 2019. وبصرف النظر عن هذا التقرير، يركز المتداولون أيضاً على الدولار قبل صدور بيانات التضخم الرئيسية لنفقات الاستهلاك الشخصي يوم الجمعة، والتطورات الجيوسياسية المتعددة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية الإيرانية يوم الجمعة المقبل والتي يتنافس فيها عدد من المتشددين الذين يدعمهم المرشد الأعلى الإيراني خامنئي بالإضافة إلى مسعود بيزيشكيان، المرشح الإصلاحي الوحيد في ورقة الاقتراع.