ساهمت الحروب الأهلية في القارة السمراء في إضعاف دولها، وتدميرها، وتشريد سكانها، وتهجير العلماء من أبنائها إلى البلدان الأجنبية بحثًا عن العمل. تعددت أسباب هذه الحروب الأهلية، وأهمها النزاعات الطاحنة على السلطة والموارد الطبيعية التي تزخر بها هذه البلدان. استغلت الدول الاستعمارية، التي كانت محتلة لهذه البلدان، هذه الأوضاع من أجل تقسيم القارة على أساس إثني للحفاظ على مصالحها في المنطقة، وظلت تتحكم في سياستها وتستفيد من ثرواتها.
اليوم، حان الوقت لنبذ كل الخلافات بين الأجناس والأعراق والقبائل والعشائر، قصد بناء هذه الدول على أسس متينة من أجل النهوض بها من جديد، والعمل على تنمية شاملة في جميع الميادين والمجالات. ومن أجل ذلك، يجب على جميع النخب من سياسيين ومثقفين أن يدركوا أن الحل الوحيد لمشاكل بلدانهم في التنمية والتقدم والازدهار هو العمل على إنشاء ديمقراطية حقيقية، بعيدًا عن الحكم التقليدي المتجاوز الذي يعتمد نهج الحكم الفردي وتمجيد الشعوب وتقديسها للأشخاص الحاكمين. يجب الاتجاه نحو بناء ديمقراطية حقيقية من خلال انتخابات نزيهة وشفافة تشرف عليها لجان مستقلة، وتشارك فيها الشعوب بكل حرية، يتم من خلالها إنشاء مؤسسات دستورية وفق دساتير جديدة، وإلغاء الدساتير القديمة التي تجاوزها العصر الحالي. يجب اختيار رؤساء شرعيين عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، لولايات محددة ومحدودة الزمن. بهذا ستأخذ الدول طريقها نحو التقدم في جميع الميادين والمجالات، بغية اللحاق بركب البلدان العظمى في العالم. ومن ثمّ ستصبح قوة سياسية واقتصادية تتعامل مع دول العالم المتحضرة بندية، دون حاجة إلى التبعية السياسية والاقتصادية التي تعاني من ويلاتها اليوم.
إقرأ أيضاً: الانقسام لا يخدُم القضية الفلسطينيّة
في إطار دمقرطة هذه الدول، فإنها ستتمكن حتمًا من التخلص من تبعية الدول الأوروبية الاستعمارية، التي لا تسعى إلا وراء مصالحها، باستغلالها الأنظمة السياسية المستبدة من أجل نهب ثروات هذه البلدان، اعتمادًا على الاتفاقيات المبرمة معها قبل منحها استقلالها الشكلي المزيف. ولكي تخرج من هذه الأزمة، عليها أن تبني بلدانها على أسس ديمقراطية تحكمها مؤسسات دستورية بعيدًا عن الحكم التقليدي المبني على فردانية الحكم واحتكار الحكام لجميع السلطات لتسيير شؤون هذه البلدان حسب هواهم ووفق مصلحتهم الشخصية. في معظم هذه البلدان، يتم الحكم عبر الانقلابات العسكرية التي تؤدي إلى حكم عسكري بغيض، ذاك الحكم الذي يعتمد النهج الدكتاتوري كوسيلة لإدارة شؤون هذه البلدان.
إقرأ أيضاً: دَعمُ المَغرب لأهالي القُدس نموذجٌ يجب الاقتداءُ به
ببناء الديمقراطية في هذه البلدان، ستستطيع أن تنهض من جديد وتواجه الدول الغربية بندية في كل اتفاقية تبرمها معها في كل المجالات. علمًا أن البلدان الإفريقية تزخر بثروات طبيعية وبشرية هائلة تؤهلها لتحتل المراتب المتقدمة بين الأمم المزدهرة. كل ما نراه اليوم من صراعات على السلطة لا يبشر بأي تغيير في النهج السياسي للعديد من هذه البلدان التي لا تزال تحكمها عقليات عسكرية لا تؤمن بالديمقراطية، ولا بالحرية، ولا بالعدالة الاجتماعية، ولا بأي تداول للسلطة بين المدنيين وفق القواعد الأساسية للنظام الديمقراطي الحديث، الذي يعتبر المخرج الوحيد من الأزمات التي تعيشها القارة في جميع المجالات والميادين.
ما نشاهده اليوم في السودان دليل على سيطرة فكرة الانقلابات والانقلابات المضادة في عقول جنرالات الجيش، الذين يسعون جاهدين إلى استمرار الأنظمة العسكرية في سدة الحكم ومنع إنشاء أي نظام ديمقراطي. يسعون إلى تخليص هذه البلدان من براثن التخلف الذي عشّش فيها منذ عقود ولا يزال. الشعوب الإفريقية هي ضحية هذه النزاعات العسكرية التي أدت ولا زالت تؤدي إلى مقتل آلاف المدنيين العزل وتشريد الملايين منهم من أوطانهم.
التعليقات