أثارت حادثة مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الجدل مجدداً حول مدى فاعلية النظام الإيراني وقابليته للاستمرار في الحكم، في ظل الأزمات العديدة المتفجرة داخلياً وخارجياً. فعلى الصعيد الخارجي، لا يزال النظام يراهن على المليشيا العابرة للحدود في التسويق لسياساته وفكره الآيديولوجي، أمَّا داخلياً، فالوضع لا يقل سوءاً وسوداوية، ما يدفع الشارع الإيراني باستمرار إلى سلسلة من المظاهرات الشعبية الواسعة، ليس آخرها الاحتجاجات التي عمت البلاد عقب مقتل مهسا أميني عام 2022.

لقد طالبت حينها منظمة العفو الدولية بفتحِ تحقيق جنائي في مقتل أميني المشبوه في إيران، كما طالبت بضرورة تقديم جميع الضباط والمسؤولين عن هذه القضية إلى العدالة، والتحقيق جنائيًا في الظروف التي أدَّت إلى وفاتها المشبوهة، والتي تشملُ التعذيب وغيره من ضروب المُعامَلة السيّئة في مركز الاحتجاز.

لقد حدثت كل هذه الانتهاكات المروعة في عهد رئيسي؛ لذلك لم يكن مقتله حادثاً عادياً بالنسبة إلى خامنئي، فرئيسي أحد أكثر رؤساء إيران ولاءً وطاعة لخامنئي. وبفقدانه، يفقد خامنئي أحد أهم أعمدته في السلطة.

ورغم أنَّ منصب رئيس الجمهورية، الذي يشغله رئيسي، ليس أكثر من سكرتارية عامة لمكتب خامنئي، فحكومة رئيسي في الحقيقة تشبه تماماً حكومات تصريف الأعمال، التي تنشأ غالباً في الدول والحكومات المأزومة، وقد عبر عن هذا الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ذات مرة قائلاً: "الرئيس مجرد مسؤول لوجستي في هذا النظام!". ومع ذلك، فخامنئي يستفيد تمام الاستفادة من توظيف مكتب الرئيس، والرئيس نفسه، ليظهر وكأن النظام بمجمله ديمقراطي انتخابي، وليس نظاماً دكتاتورياً فردياً!

إقرأ أيضاً: فك رموز رسالة خامنئي

لقد أزاح خامنئي، العديد من الشخصيات البارزة في النظام، ليضمن وصول رئيسي إلى السلطة، وقد عرف عن رئيسي أنه شديد الإخلاص للمرشد الأعلى خامنئي؛ وهو ما يبعد احتمالات وقوف خامنئي خلف حادثة مقتل رئيسي.

صرح مجتبى ذو النوري، نائب رئيس برلمان النظام، قائلاً: "خلال السنوات الثلاث التي شغل فيها رئيسي منصب رئيس البلاد، شعر خامنئي بالسعادة لعدم حدوث المخاوف السابقة، ولعدم وجود نزاعات وصراعات وانحرافات، في المسار". لذلك، فقد وضع مقتل رئيسي النظام حرفياً في موقف حرج، وزاد من احتمالات الاضطرابات الداخلية، خاصة في الساعات الأولى لإعلان مقتله؛ وهو ما يفسر تناقض وسائل الإعلام الرسمية في التعامل مع الخبر.

إقرأ أيضاً: بين هتلر والخميني

وخوفاً من حدوث اضطرابات شعبية، أرسل خامنئي قائد الحرس الثوري حسين سلامي إلى مقاطعة أذربيجان الشرقية؛ حتى لا يُخلق فراغ في تبريز، قد تنشأ عنه اضطرابات محتملة، كما عقد اجتماعاً طارئاً للمجلس الأعلى للأمن، ووضعت القوات المسلحة في كافة المحافظات في حالة تأهب قصوى.

لقد أوضحت هذه الحادثة، مجدداً، ضعف هذا النظام وخوفه المستمر، والدائم، من شعبه، وسوف يأتي اليوم الذي يقول فيه الشعب كلمته، وإن غداً لناظره قريب.