الضبابية التي تلف حادثة وفاة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ومرافقيه لم تحجب الرؤية عن مدى متانة النظام في إيران وقدرته على استيعاب الصدمات.
سؤالان يرافقان انطلاقة السباق نحو الرئاسة.
الأول، إيران إلى أين، في المدى السياسي القريب، بعد رئيسي؟
والثاني، هيكلة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، في المدى البعيد، إلى اين بعد مرحلة المرشد اية الله خامنئي؟
منذ ولادة النظام الاسلامي في إيران عام 1979، أجاد صناع القرار في طهران الاستفادة من المحطات الاستراتيجية في المنطقة وربما العالم وتجييرها لمصلحة ضمان استمرارية النظام وتوسيع دائرة نفوذه الاقليمي. وكانت أذرعها العسكرية في اليمن او العراق او سوريا ولبنان - في مكان ما - أدوات سخرت لهذه الغاية حتى تحولت طهران خلال العقود الاربعة المنصرمة إلى رقم صعب في المعادلتين الاقليمية والدولية.
في خضم نفوذ إيران العسكري والسياسي بعد احداث ما عرف بـ"الربيع العربي"، كانت الغرف المظلمة تشهد محادثات سرية مع واشنطن حول برنامجها النووي، وكان ايضا ان وصل الرئيس المعتدل حسن روحاني إلى سدة الرئاسة عام 2013 ليتوج ولايته الاولى باتفاق نووي عام 2015. وطوت بذلك طهران صفحة "اميركا الشيطان الاكبر"، تماماً كما سقط شعار "الموت لاسرائيل" بعدما اظهرت عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) أن حقيقة الصراع هو بين حماس واسرائيل وان عشرات الاف الضحايا من الفلسطينيين لم يسجلوا على قائمة الصراع الاسلامي الاسرائيلي حول القدس.
في أيار (مايو) 2018 فاجأ الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب إيران والعالم بالغاء الاتفاق النووي وباعادة قطع ترياق الانتعاش على التومان العليل. ومع وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الابيض عام 2020 وتمسكه بالغاء الاتفاق النووي، لم يجد صناع القرار في طهران أي خيار الا الدفع بالمحافظ ابراهيم رئيسي للرئاسة، على قاعدة ان ليونة المعتدلين لا تحتمل عصا العقوبات داخلياً ودولياً.
اليوم الإيرانيون على موعد مع اختيار رئيس جديد نهاية حزيران (يونيو) المقبل، والسؤال المنطقي هنا هو: اي مرحلة تواجه إيران حاليا في ظل "تفاهم الظل" مع واشنطن فيما يتعلق بتداعيات طوفان الاقصى، وايضا في ظل اتفاق التفاهم مع الرياض برعاية صينية والذي اثبت صلابته حتى الان؟
خلاصة القول، الظروف الاقليمية والدولية هي التي تحدد ملامح وشخصية ودور الرئيس في إيران. فما الذي تخفيه جعبة المحادثات غير المباشرة في الغرف المغلقة بين واشنطن وطهران كي نتنبأ اي رئيس يطل على إيران والعالم.
إنَّ اغتيال الجنرال قاسم سليماني في مطلع عام 2020، أعاد تشكيل خارطة التحرك العسكري لإيران، من خلال أذرعها في المنطقة. فهل يؤدي رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي إلى اعادة رسم خارطة التحرك السياسي؟ هنا مربط القضية، وما عدا ذلك وتحديداً فيما يتعلق بخلافة المرشد فهذه قضية تفرضها فقط مصلحة النظام واستمراريته.
التعليقات