مِن خلال القرار الذي أصدرتْه محكمة العدل الدوليّة اليوم الجمعة 24 أيار (مايو) 2024، والذي يأمر إسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في رفح، يتّضح أنّ المحكمة قد غضَّت الطرف عن جرائم إسرائيل في غزة التي ذهب ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى وتدمير ما يفوق 70 بالمئة من البنية التحتية من منازل المواطنين ومستشفيات ومدارس وغيرها، ولا تزال إسرائيل تمارس جرائمها اليوميّة في حق المدنيّين بِقصفها العنيف للمنازل ومآوي النازحين وطواقم الإسعاف، بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية. كما دعَت المحكمةُ إسرائيل إلى فتح معبر رفح لدخول المساعدات لأهالي غزة الذين يموتون يوميّاً بالعشرات جرّاء انعدام الأدوية والغذاء والوقود.. كما قَضت المحكمة بإطلاق حماس الفوري للأسرى الإسرائيليّين دون شروط.

هذا القرار مُجحِفٌ في حقّ الفلسطينيّين في غزة الذين يتعرَّضون لإبادة جماعيّة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، منذ الحرب العالمية.

إذا كانت هذه المحكمة الدولية مُستقِلّةً في قرارتها، فعليها بإجراء تحقيق حول مجازر إسرائيل في غزة، وذلك من خلال تشكيل لجنة مُحايِدة تقوم بتقصّي حقائق ما يجري في غزة من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومن جرائم ضدّ الإنسانيّة ومن خرقٍ صارخ لجميع القوانين والأعراف الدوليّة، وبعد التحقيق في الجرائم وبناءً على ما ستتوصل إليه اللجنة من نتائج تقوم المحكمة بِإصدار قرار جدّي وحاسم، والذي يُجبِر إسرائيل على إيقاف حربها بصفةٍ دائمة ضدّ المدنيين في غزة ويُرغمها على سحب جيشها وفتح جميع المعابر لإدخال كل مستلزمات الحياة للشعب الفلسطينيّ في غزة.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تُواجِه جَبْهَتَيْ حربٍ في غزة

من الواضح أنَّ محكمة العدل الدوليّة تُحاوِل إرضاء الولايات المتحدة الأميركيّة، لمّا تناولت فقط قضية رفح دون غيرها من المناطق الفلسطينيّة التي تتعرّض لأشنَع الجرائم من مجازر جماعيّة في حق الأطفال والنساء والشيوخ، والدليل على ذلك أنّه سبق لِأميركا، قبل الحرب على رفح، أن حذّرت إسرائيل من توسيع نطاق حربها في المدينة ونواحيها، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة في قرارها الذي اقتصر على رفح دون غيرها من المناطق الفلسطينيّة.

معظم المُتتبّعين للشأن الفلسطينيّ يأملون تنفيذ قرار المحكمة الدوليّة، رغم عِلّته وما يشوبه من اختلالات واضحة يعرفه الخاص والعام، وفي هذا الصدد يُطرح السؤال التالي: هل هناك آلية لدى المحكمة لإنفاذ قرارها هذا؟ علماً أنَّ المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد صرّح، الجمعة، أنّ قرارات محكمة العدل الدولية "ملزمة"، ويتوقّع الأمين العام أن يلتزمَ بها الأطراف المعنيون "بحسب الأصول"، وذلك بعدما أمرت المحكمة إسرائيل بوقف هجومها العسكري في رفح.

إقرأ أيضاً: دَعمُ المَغرب لأهالي القُدس نموذجٌ يجب الاقتداءُ به

وللإشارة، فإنّ الولايات المُتحدة الأميركيّة تُساهِم في كلّ الجرائم التي تقترفُها إسرائيل في فلسطين بِدعمِها عسكريّاً ولوجيستيّاً وتخطيطاً وتنفيذاً، مُتحدِّيةً في ذلك قرار محكمة العدل الدوليّة. وقد بتَّت قناة "الجزيرة" مساءَ الأحد 26 أيار (مايو) صوراً مباشرةً مُروِّعة لقصف إسرائيليّ لِمنازل المواطنين الأبرياء، ذهبَ ضحيتها العشرات بين قتيل وجريحٍ جميعهم من الأطفال والنساء والعجَزة والمرضى، مِمّا يدُلّ على أنّ الكيان الإسرائيلي لا يعبأُ بقرار المحكمة الدوليّة، وأنّه ماضٍ في جرائمِه ما دام في حِمى الإدارة الأميركيّة الآمِرةِ والناهيةِ له، ودونَها لا أحدَ يستطيع إيقاف آلته الحربيّة التي تأتي على الأخضر واليابس في فلسطين المُحتلّة. ليس هناك من سبيل لإجبار إسرائيل على إيقاف مجازرِها ومذابِحها في غزة سوى توحيد كلمة الدول العربيّة والإسلاميّة في مُمارسة ضغوطات جدّيّة وصارمة على أميركا، تشمل سحب سفرائها من واشنطن ومنع تصدير النفط لها وللدول الغربية المُساندة لإسرائيل، وألّا تنتظِر من محكمة العدل الدولية ولا من محكمة الجنايات الدولية إيقاف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينيّ، لكون كل المنظمات الدولية، القضائيّة منها والحقوقيّة خاضعةُ للضغوط الأميركيّة، ولا حول لها ولا قوة.