تعثرت الديموقراطية في الكويت مراراً وتعطلت احياناً وانحرفت كثيراً ومصدر التعثر والاعوجاج والتخلف قوانين وممارسات مضطربة قادتها حكومات متعاقبة واستغلتها بعض المكونات الاجتماعية دون مبادرة حكومية في الاعتراف بعناصر التشوهات ومصادرها السياسية والثقافية والإعلامية والبرلمانية في المجتمع.
لم توفق الحكومة في معالجة اعوجاج وتشوهات الممارسة الديمقراطية في الكويت منذ زمن بسبب حجج واهية وأوهام قاتلة ومبررات وادعاءات ومبالغات مفتعلة للمحافظة على تحالفات غير مشروعة مع أطراف متنفذة وطائفية وقبلية وفئوية في الانتخابات النيابية والتشكيلات الوزارية أيضاً.
ملامح الانسداد السياسي والدستوري في الكويت كانت واضحة المعالم والاسباب ومعروفة العناصر والمصادر والمراكز السياسية والحكومية والنيابية والشعبية لذلك كان قرار حلّ مجلس 2024 وتعليق بعض مواد الدستور متوقعاً من حيث التوقيت قبل بدء أعمال المجلس.
لقد لبي الشعب الكويتي مناشدة الأمير له في المشاركة في الانتخابات في شهر رمضان الماضي وتحققت كثافة الاستجابة الشعبية الإيجابية للتوجيهات السامية ولكن لم تتغير الانحرافات والتشوهات في الممارسة الانتخابية والنيابية والحكومية أيضاً.
ملامح الانسداد السياسي كانت واضحة وبارزة ولم يكن الكشف عنها مفاجأة كما جاء في خطاب الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح حفظه الله ورعاه في 10 مايو 2024 فقد كانت المبررات والأسباب متوقعة، فحكومات متعاقبة تتحمل الوزر الأكبر مما بلغته الكويت من حالة انسداد غير مفاجئة ومتوقعة.
في وقت شديد الحساسية والأهمية، لا ننسى الاعوجاج في نظام الصوت الواحد الانتخابي الذي صدر من رحم الحكومة وتلقفه وزراء ونواب لصناعة وهم المبررات بتأييد نيابي وحكومي خلال السنوات 2013-2020.
ولا ننسى "زحف" السلطة التشريعية على اختصاص السلطة التنفيذية، الحكومة، وتنازل الأخيرة للأولى بمشاركة رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم ورئيس الوزراء السابق الشيخ صباح الخالد ولا ينبغي أن تكون هذه التشوهات والانحرافات بمنأى عن التحليل الموضوعي.
علل سياسية وثقافية كثيرة احتضنها نظام الصوت الواحد الانتخابي والتفتت عن عناصرها ومصادرها حكومات متعاقبة دون تشخيص للأعراض والامراض وتقديم الحلول والعلاج والتصويب والتصحيح حتى شاعت ثقافة الثأر من الديمقراطية حكومياً وبرلمانياً.
تعثر واعوجاج الديمقراطية في الكويت لا يعني تبرير ثقافة الـثأر من الديمقراطية وتأييد انحراف العمل الحكومي-البرلماني والمماسة الانتخابية المنحرفة، فالعيوب الاجتماعية والثقافية تتحمل مسؤوليتها حكومات تنازلت عن دورها في معركة قيادة الرأي العام والتصحيح والتصويب والتطوير وجلد الذات العليلة.
صعود الممارسة الديمقراطية في الكويت إلى هاوية سياسية تلام عليها حكومات قبل وبعد تحرير الكويت من الغزو العراقي والعصبيات القبلية والطائفية والفئوية والعائلية التي ترعرعت في كنف حكومات تجاهلت الحرائق السياسية والثقافية والاجتماعية.
لا ينبغي استثناء الصراعات السياسية التي تغذيها مراكز غير تقليدية ومصالح غير مبررة وتتحكم فيها على المستوى الشعبي والبرلماني والانتخابي والإعلامي ومن غير المستبعد أن يتجدد القصف السياسي والإعلامي للحكومة الحالية.
آليات ونصوص التشريع والرقابة البرلمانية تحتاج، بلا شك، إلى إعادة نظر وصياغة دستورية جديدة نحو المزيد من "الحريات والمساواة" كما نصت المادة 175 من الدستور ولا يعني ذلك أن مصادر وعناصر العلة السياسية والثقافية ليست حكومية المنشأ.
لا ننكر الحاجة السياسية لثقافة التعلم من دروس الماضي القريب والبعيد والحاضر واستيعاب ثقافة صديقة للديمقراطية وليس شيوع ثقافة الثـأر من الديمقراطية، فمغامرات القراءة السياسية المرتبكة تضيع فرص الإصلاح والتأمل والشراكة.
التصدي لثقافة القطيع والثأر من الديمقراطية ينبغي أن يكون مشروعاً إعلامياً وسياسياً دون الجزع من مبادئ وقواعد الرقابة والمسائلة البرلمانية الدستورية والشراكة الشعبية في الإصلاح والتطوير، فالإصلاح يتطلب وحدة وطنية وترسيخ ثقافة الديمقراطية في الدولة والمجتمع.
*إعلامي كويتي
التعليقات