يتمتع لبنان بتنوع بيولوجي مذهل يجعله جوهرة في حوض المتوسط، لكن هذا التراث الطبيعي الفريد، الذي تحتضنه المحميات، يواجه اليوم أخطاراً وجودية جسيمة تهدد بتدمير الأنظمة البيئية الأساسية التي يعتمد عليها البلد بأكمله. إن المحميات الطبيعية اللبنانية، رغم أهميتها الحاسمة، باتت عُرضة لتحديات غير مسبوقة ناتجة عن الأزمات الاقتصادية والتوسع العشوائي وغياب الاستقرار.
إنَّ الدور الحاسم الذي تلعبه المحميات في حماية آلاف الأنواع النباتية والحيوانية بات مهدداً بشكل مباشر. تُعدّ محمية أرز الشوف، وهي معقل شجرة الأرز التاريخية المصنفة عالمياً، أكبر تلك المحميات لكنها تواجه أخطاراً متزايدة ناجمة عن التغيرات المناخية التي تزيد من حدة الجفاف وخطر الحرائق، مما يضع ضغطاً هائلاً على غابات الأرز وعلى الأنواع التي تعيش فيها كأكثر من 250 نوعاً من الطيور والثدييات مثل الذئب والضبع المخطط. كذلك، تتعرض محمية شاطئ صور الرملية لخطر داهم جراء التلوث البحري والرمي العشوائي للنفايات الناتج عن ضعف الرقابة، مما يهدد الملاذ الوحيد المتبقي لتعشيش السلاحف البحرية المهددة بالانقراض (مثل سلحفاة الكاريت والسلاحف الخضراء). أما محمية عميق للأراضي الرطبة، وهي موقع رامسار حيوي للطيور المهاجرة، فتواجه تحديات متعلقة بنقص التمويل اللازم لصيانة أنظمة إدارة المياه والحفاظ على دورها في تنقية المياه، مما يؤثر على قدرتها على العمل كنقطة توقف حيوية.
إنَّ هذا الخطر لا يقتصر على الحياة الفطرية، بل يطال الخدمات البيئية الأساسية التي توفرها المحميات. تعمل المحميات الجبلية، مثل محمية إهدن الطبيعية ومحمية جبل الريحان، كـ "أبراج مياه" طبيعية، ولكن التعديات وغياب الإدارة الفعالة للموارد يهدد الغطاء النباتي المسؤول عن امتصاص مياه الأمطار والثلوج وتغذية الينابيع الجوفية. ومع تزايد التوسع العمراني غير المنظم والاحتطاب الجائر الناتج عن الأزمة الاقتصادية، يزداد تدهور التربة وخطورة الانجراف والانهيارات الأرضية في المناطق الجبلية، مما يقوض الدور الوقائي للمحميات.
ورغم أن المحميات تُعتبر وجهة رئيسية للسياحة البيئية وتُسهم في دعم الاقتصاد المحلي للقرى المحيطة من خلال توفير فرص عمل للمرشدين ومقدمي خدمات الضيافة، فإن غياب الاستقرار الاقتصادي والسياسي يُضعف من قدرة المحميات على تطوير مشاريعها السياحية أو حتى الحفاظ على بنيتها التحتية، مما يهدد مصدر دخل هذه المجتمعات ويزيد من الضغط البشري على الموارد الطبيعية. كما أن الصعوبات المالية تعيق جهود المحميات في العمل كـ "مختبرات حية" للبحث العلمي والتعليم البيئي اللازم لبناء الوعي وحماية المستقبل.
إنَّ المحميات الطبيعية في لبنان تقف اليوم على خط المواجهة، ليست مجرد مناطق منعزلة للحفظ، بل هي خط دفاع أخير ضد الانهيار البيئي الذي يهدد استمرارية المياه العذبة وثبات التربة والتنوع البيولوجي. إن حماية هذه الأصول الوطنية الاستراتيجية تمثل تحدياً وطنياً مصيرياً يجب التصدي له لوقف الكارثة البيئية وتحقيق التكيف مع التغيرات المناخية.


















التعليقات