نجح العقل السياسي الكردي في قراءة المستقبل من خلال التفكير برؤية متعمقة لأحداث الحاضر والمتغيرات الدراماتيكية في الشرق الأوسط، وتحديدًا في سوريا وتركيا، وما ينتظر إيران من متغيرات سياسية نوعية، وكذلك العراق، أي المحيط السكاني للكرد في الشرق الأوسط.
من هنا، لم يأتِ قرار عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني التركي، عندما دعا حزبه إلى إلقاء السلاح وحل الحزب، نتيجةً لمعاناة سجنٍ مضى في معاناته ربع قرن من الزمن، بل جاء تحوّلًا في وعي المرحلة وشروط التحول نحو الديمقراطية في تركيا. الديمقراطية التي تشكل مسارًا جديدًا لنضالات الشعب الكردي، عوضًا عن البندقية ومعايشة الجبال وقساوتها.
كذلك، جاءت الخطوة التي أقدم عليها الزعيم الكردي السوري مظلوم عبدي، زعيم تنظيم "قسد"، في توقيع اتفاق سلام واندماج مع الدولة السورية الجديدة وزعيمها أحمد الشرع، وإنهاء مسيرة طويلة من القتال ضد نظام الأسد الاستبدادي، والعداء التركي من جهة أخرى.
حوار البنادق والرومانتيكية الثورية لم يعد صالحًا في زمن المسيرات الروبوت وتحولات العالم الاقتصادية وضغوطاتها على الدول، في تحول توجهاتها من الدولة القومية إلى الدولة الوطنية الديمقراطية.
إقرأ أيضاً: الخوف من المستقبل!؟
كان الرئيس الكردي جلال الطالباني يقول: "الديمقراطية إذا تحققت في العراق، ونال الجميع حقوقهم، تنتهي القضية الكردية".
تحولات مواقف قادة الكرد تؤكد رغبتهم في النضال السلمي وبناء التآخي الوطني، بديلًا عن النضال المسلح وسقوط الضحايا من أبناء الوطن الواحد، وفي مسارات شاقة لم تحقق الأهداف التي دعت إليها، وفق ظروف زمان انطلاقتها وطبيعة النظام العالمي.
اجتماع عدد من قادة الكرد الأتراك والسوريين مع الزعيم الكردي مسعود البارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، والمباحثات والحوارات المعمقة في قراءة خرائط الشرق الأوسط الجديدة، كرّست قناعات قادة الكرد بالتحول من الخندق القتالي المعزول إلى الشارع الوطني، والنضال بالكلمة والخطاب السياسي، والمشاركة في بناء الوطن والدفاع عنه، بدلًا من خوض صراعات وحروب دموية لا تحصد سوى المزيد من المآسي والدمار للأوطان والشعوب على حد سواء.
إقرأ أيضاً: ترامب يؤسس لصناعة إرهاب عالمي جديد!؟
استتباب السلام الاجتماعي ولغة الحوار يتيحان مساحات وفضاءات أوسع لمطالب الجماعات والمكونات الإثنية وحقوقها وحرية هويتها القومية أو المذهبية، كما يتيح لها حق المشاركة السياسية عبر الانتخابات لتمثيل الصوت الإثني أو العرقي، وبهذا يمكن نيل الحقوق والحريات ضمن مسؤولية تشاركية وثقل برلماني يخرج للعلن، وليس في بيانات سرية محدودة النطاق.
تقدم العقل السياسي الكردي في قراءة الأحداث ومواكبتها، فهل يحفّز بعض الفصائل في الداخل العراقي على التخلي عن السلاح والاندفاع نحو صيانة الدولة العراقية الوطنية، كضمانة أكيدة لتحقيق حريات وحقوق الجميع دون تمييز أو ابتزاز واستخدام لغة القوة والسلاح؟
التعليقات