إذا كان المسرح هو أبو الفنون، فإنَّ السياسة، هي أول الفنون وآخر الأعمال كما يقول الفلاسفة.

السياسة تستخدم كل الفنون، وكل الأعمال الصالحة وغير الصالحة، والمشروعة وغير المشروعة، وكل شيء من الحب إلى الحرب، مباح في عالم السياسة.

في الولايات المتحدة، لم تشفع الآلة الإعلامية الهائلة، ولا الأعمال الخيرية العظيمة، في إخفاء وجه أميركا الإمبريالي، العابر للحدود والسدود وحتى القوانين.

كان الرئيس المكسيكي، خوسيه بورفيريو دياز يقول: "مسكينة هي المكسيك، لبعدها عن الله، ولقربها من الولايات المتحدة"؛ إنها لعنة الجغرافيا والسياسة معاً.

السياسة تعرف الأخلاق وتعرف المصالح، وإذا تعارضت الاثنتان، قُدّمت الثانية على الأولى، مهما كانت التبعات الأخلاقية.

وفي السياسة، لا توجد عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، ولكن مصالح دائمة.

لقد علّم الحكماء القدماء أباطرة الصين، أنهم إن أرادوا غزو الشرق، فعليهم الحديث عن الغرب!

إنه الخداع ذاته، الذي تمارسه السياسة باستمرار.

كان نيكولو مكيافيلي، سياسياً إيطالياً إبان عصر النهضة، وأصبح الشخصية الرئيسية، والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، والذي أصبح فيما بعد، عصب دراسات العلم السياسي الحديث.

أشهر كتبه على الإطلاق، كتاب "الأمير"، والذي عرض فيه فكره، وفلسفته، في الحكم والإدارة والسياسة: "كل ما هو مفيد فهو ضروري، والغاية تبرر الوسيلة". وفي عهده، ظهرت المكيافيلية، وكمثال على نظرياته، نصح كل حاكم جديد ومتغلب، أن يقوم بمذبحة كبيرة وسريعة، ثم يعقبها بأعمال صالحة وعظيمة، إن أراد أن يستتب له الأمر!

وهي عبارة عن صورة مبكرة، للنفعية الواقعية، المجردة من المعايير الأخلاقية.

في مصر، كانت مذبحة القلعة، ضد من تبقى من أمراء المماليك، عملاً وحشياً بكل المقاييس، عندما حضر الأمراء، لم يبق منهم أحد على قيد الحياة. لقد ذُبحوا جميعاً بعد مأدبة طعام فاخرة!

لقد كانت ضرورية؛ لينفرد محمد علي باشا وحده، بعرش ووحدة مصر.

قبل أن يتسلّم السلطان العثماني، محمد الثالث الحكم من أبيه، الذي كان يحتضر، كانت قبور إخوته التسعة عشر، قد استلمت جثامينهم جميعاً، واحداً تلو الآخر، ثم مشى هو ورجال الدين في خشوع وصمت مهيب في جنازة أبيه السلطان مراد الثالث، إلى مثواه الأخير.

بعد ثورة 1916 في روسيا، ارتكب البلاشفة مجزرة فظيعة، ضد أسرة آل رومانوف الحاكمة، لقد قُتل الجميع، حتى الأطفال والنساء.

لاحقاً، قام ستالين، بالقضاء على الرفاق البلاشفة، بأبشع الطرق وأفظعها.

في نهايات الحرب العالمية الثانية، كانت هزيمة اليابان مسألة وقت لا أكثر، فقد تقدم الحلفاء، وسقطت كل دول المحور، لكن الأميركيين أرادوا نصراً متوجاً بالرعب، وقتلاً بالجملة، فضُربت ناكازاكي وهيروشيما، بالأسلحة النووية فقتل وشُوّه الملايين.