بعيداً عن التصريحات والأخبار التي تنشرها وسائل التواصل والإعلام والتي تناولت قضية المهندس بشير، والذي ذهب إلى لقاء ربه شاهداً وشهيداً على الواقع المر والظلم المستمر في العراق، والذي لا يبدو أنه توجد نهايات قريبة له أو حلول.

فالنهاية التي أرادها منظمو ومخرجو هذا الحدث، الذي يبدو أقرب إلى الروايات البوليسية والأفلام الغارقة في البعد عن الحقيقة والواقع، والتي تُسمّى (أفلام هندية)، هي نهاية الضحية وغلق التحقيق مع أفلام وفيديوهات مسرّبة، ولا يوجد تفسير منطقي عن حقيقة وكيفية تسرب وانتشار هذه الأخبار والمعلومات في قضية هزّت الرأي العام.

لجان عديدة من مجلس النواب، وثانية من الحكومة، وثالثة من وزارة الداخلية، ويُقال لجنة رابعة من مجلس محافظة بغداد، ومهما كانت نتيجة التحقيق، فحالها كما هو حال أي موضوع تريد أن تنهيه وتضيّعه، تُشكل لجنة تحقيقية، وسوف تنتهي أو تتوصل هذه اللجان إلى نتيجة واحدة وحقيقة ثابتة: الضحية هو السبب والمتسبب، والجهات المسؤولة ربما قد تجاوزت الحد في استعمال القوة وإنفاذ القانون، وينتهي الموضوع كما انتهت مواضيع أهم وأكبر، بعضها كان تهديداً لمصير ومستقبل العراق، مثل لجنة التحقيق في سقوط الموصل ولجنة عبارة الموصل وغيرها من اللجان.

القضاء محل ثقة
إنَّ الجهة المختصة والمهمة التي هي محل ثقة الناس وتمتلك السلطة بموجب القوانين هي القضاء ومحكمة التحقيق التي ارتكبت في اختصاصها المكاني الجريمة، وجهاز الادعاء العام ممثل المجتمع ومراقب المشروعية وحسن تطبيق القوانين.

إنَّ الموضوع والدرس الذي يمكن الاستفادة منه في هذه المأساة هو أنَّ الضحية يمكن أن تكون أنت أو أنا أو ابنك أو أخوك أو أي من الذين نعرفهم أو لا نعرفهم، لأنَّ الذي حصل وفاة إنسان وهو في يد الحكومة، أي في عهدة وأمانة الجهة الحكومية التي ألقت القبض عليه، وبالتالي، مهما كانت تهمة أو فعل أو تصرفات الشخص، يبقى مقبوضاً عليه وتحت سيطرة وقوة الجهة التي ترفع علم الدولة وترتدي الزي الرسمي للشرطة، لذا فإنَّ ما حصل جريمة شنيعة كشفت الواقع المعروف وغير المستور في ملف السجون والمعتقلات في العراق، والذي يبدو أنه لا يختلف كثيراً عما كان عليه الحال أيام النظام السابق، لأنَّ الظلم واحد والنتيجة واحدة طالما ظلّت سياسة الإفلات من العقاب والاعتبار الشخصي والمركز الحكومي والحزبي والعشائري هي السائدة والمتسلطة في ظل غياب القانون وتخفيه خلف النصوص والمواد المسطّرة على الورق من مواد الدستور والقوانين العديدة الخاصة بالحريات والضمانات ومنع التعذيب واحترام المتهم، وأن (المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة)، والدليل العملي هو المهندس بشير. ولكن ماذا عن عشرات أو مئات الآلاف من المجهولين من المظلومين والمغدورين والمغيبين والموقوفين والمحكومين والمدانين... وكل واحد منهم شاهد وشهيد على العدالة في العراق.