خلال الساعات الماضية، أعلنت حركة "فتح" الفلسطينية، إضرابًا عامًا في جميع مدن وقرى الضفة الغربية تضامنًا مع غزة واحتجاجًا على الاحتلال، وبالفعل عم الإضراب الشامل جميع المناطق استجابة لدعوة أطلقتها القوى الوطنية والإسلامية تنديدًا بحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة والعدوان المتواصل على المدن والبلدات الفلسطينية.
وشمل الإضراب كافة جوانب الحياة، من المؤسسات الرسمية والأهلية إلى القطاعات التجارية والتعليمية ووسائل النقل، وسط تحضير للمشاركة في مسيرات غضب، كما أُغلقت المدارس الحكومية والخاصة والمؤسسات المصرفية أبوابها، وشمل الإضراب المواصلات العامة وخلت الشوارع من المركبات والمارة، كما أغلقت المصانع والمعامل.
وبينما تسبب الإضراب في شل حياة الناس، فرأى البعض أن هذا القرار أثار انتقادات واسعة بين الفلسطينيين، الذين يرون أن هذه الإجراءات تُعمّق الأزمة الاقتصادية المستمرة، وأن هذا الإضراب العام يضرّ بالأساس بالمشاريع الصغيرة وسبل عيش المواطنين العاديين، دون أن يُحدث أي تغيير حقيقي أو فائدة ملموسة للنضال.
حقًا، يعاني الاقتصاد الفلسطيني منذ أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وتحديدًا بعد الحرب الشرسة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة انتقامًا من حماس كرد انتقامي على عملية "طوفان الأقصى"، لكنها ألقت بظلالها على الأوضاع المعيشية والاقتصادية في الضفة الغربية، وهو ما أوقف عجلة التنمية المحتاجة التي يجب أن تدور، وأن يستعيد الاقتصاد عافيته حتى يلاقي المواطن الفلسطيني أبسط الاحتياجات التي تعينه على البقاء على قيد الحياة في ظل سياسة التضييق التي تمارسها إسرائيل عليه منذ بداية الحرب على غزة.
وبحسب الأرقام، شهد الاقتصاد الفلسطيني هزّات عميقة في البنية الاقتصادية، فبينما هو يعاني أساسًا من حصار طويل الأمد ونقص في الموارد، فوجد نفسه في مواجهة كارثة إنسانية واقتصادية جديدة، فتوقفت الحياة بفعل الدمار الذي خلفته الحرب.
وبالفعل، تدمّرت المنشآت الصناعية والتجارية، وهو ما قوض القدرة الإنتاجية للقطاع الخاص وأدى إلى تراجع حاد في الإيرادات الحكومية، لذلك تكبد الاقتصاد خسائر لم تحدث من قبل، وهو ما ساهم في زيادة معدلات الفقر والبطالة، هذا غير الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية، كشبكات الكهرباء والمياه والمرافق الصحية، والتي قُدّرت بمليارات الدولارات، وهو ما يؤكد على تسبب الحرب في تراجع حاد بالناتج المحلي الإجمالي، وتضرر قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة، حتى وصل التضخم لمعدلات غير مسبوقة حيث تجاوز 250 بالمئة بسبب تداعيات الحرب المستمرة.
ومع عودة الاضطرابات في مدن الضفة، وتفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني رغم تضييقات وممارسات الاحتلال، فنجد أنفسنا أمام تفاقم أزمات في الغذاء والماء والوقود والمعدات الطبية وكذلك في الأمن الغذائي، وهو ما يلمّح بتكرار سيناريو غزة الاقتصادي في مناطق الضفة الغربية، أي حدوث أزمة اقتصادية طاحنة يدفع ثمنها الكبير والصغير، وتنذر بأزمة غذاء قادمة.
ولأن اقتصاد الضفة الغربية هشّ الآن وتأثّر سلبًا بالحرب على غزة، فعلى حركة "فتح" مراجعة الأمر قبل الدعوة إلى اضطراب عام لأنه بالتأكيد سيعمل على شل الحياة وزيادة نزيف الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي تعميق معاناة المواطن البسيط الذي يبحث عن أبسط مقومات الحياة في ظل غلق إسرائيل المنافذ ومنعها دخول البضائع إلى الداخل الفلسطيني.
ومع تأثر الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير بالوضع الراهن، حيث إنه يعتمد على مصادر محدودة تقتصر في معظمها على المساعدات الخارجية، فربما يكون الهدوء وضبط النفس واستعادة التهدئة من جديد والبعد عن أعمال الإضراب الشامل، هو الحل الأمثل للفلسطينيين حتى ينعموا باستقرار محدود أو على الأقل حتى تسير الحياة ويُرفع جانب من المعاناة في إيجاد أبسط وسائل المعيشة إلى الأهالي.
لأنَّ في حالة الإصرار على التعاطف الشعبي الذي يُترجم في صورة احتجاجات وإضرابات شاملة، فستكون النتائج قاسية!
التعليقات