لعل المدينة الفاضلة التي تصورها أفلاطون، وجادل من أجلها، تعد أكبر فكرة فلسفية قدمها فكره للبشرية.
كان أفلاطون يرى أنَّ الفلاسفة هم وحدهم المؤهلون للحكم وإدارة شؤون البشر.
وعندما عقدت المحاكمات لأستاذه سقراط، وتم إعدامه من قبل حكومة أثينا الديمقراطية، اعترض فوراً على الديمقراطية، باعتبارها سبباً مباشراً في موت سقراط، فالنظام الذي ينتج عنه إعدام رجل عظيم مثل سقراط، لا يستحق أن يحكم أو أن يكون مثالياً.
لم يكن أفلاطون وحده من انتقد النظام الديمقراطي، فالكثير من الفلاسفة والمفكرين عبر التاريخ انتقد الديمقراطية لأسباب مختلفة ومتعددة.
يذكر أن ونستون تشرشل قال ذات مرة: "إنَّ الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم، باستثناء كل الأشكال الأخرى التي تم تجربتها".
من المفارقات التاريخية أنَّ الديمقراطيات العريقة قد تلد دكتاتوريات مستبدة تلغي المبدأ الذي قامت عليه! وهو تماماً ما صنعه هتلر والنازيون عقب وصولهم للحكم في ألمانيا.
إقرأ أيضاً: الشرع والعدالة الانتقالية
في أميركا الجنوبية وأفريقيا وأيضاً آسيا، العديد من الدول التي تتبنى نظماً ديمقراطية ولم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
كان الاتحاد السوفييتي السابق يدار بنظام قمعي استبدادي، ومع ذلك فقد حقق إنجازات جبارة، ووصف الدكتاتور السابق جوزيف ستالين بأنه من نقل الدولة من عصر المحراث الخشبي إلى عصر الفضاء والذرة.
في الصين، ما زال الحزب الشيوعي الصيني يحكم البلاد منذ عام 1949، وتدار الدولة بنظام الحزب الواحد، ومع هذا فقد حققت الصين قفزات ضخمة في معدلات النمو والصناعة والرفاه الاقتصادي والقضاء على البطالة.
عوداً على بدء، فإن الديمقراطيات الفعالة لا تتحرك وحدها، فهي بحاجة إلى ثقافة وحالة وعي مجتمعي وسياق تاريخي يكفل لها العمل بطريقة صحيحة.
إقرأ أيضاً: مجلس التعاون والحلقة المفقودة
لقد مرت الديمقراطيات الغربية بتجارب مريرة عبر تاريخها الطويل حتى استقرت على هيئتها المتداولة اليوم، كثقافة أولاً ثم نظام حكم.
فالصراعات بين الملكيين والبرلمانيين في بريطانيا مثلاً كانت من أبرز سمات القرن السابع عشر، وقد أفرزت إشكاليات وتصدعات وحروباً أهلية.
على أن هذه التجارب ليست بالضرورة حتمية. إلا أنها توضح أن الديمقراطية ممارسة طويلة في ظل ظروف ثقافية وسياقات تاريخية توفر بيئة آمنة لتجربة حكم فريدة من نوعها.
التعليقات