عقب هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، أنشأ الحلفاء ما عُرف لاحقاً في التاريخ بمحاكمات نورنبيرغ، وهي سلسلة محاكمات عسكرية طالت عسكريين وقيادات نازية، وحتى أطباء وقضاة!
لقد أدرك الحلفاء أنَّ بناء أوروبا جديدة لا يمكن أن يتم بدون عدالة انتقالية أو بدون القضاء على قيادات العهد النازي البائد.
في الحالة السورية، تبنّى قادة الثورة العفو العام، وأصبحت عبارة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" على كل لسان. كان سلوكاً حضارياً بامتياز؛ لا أعمال عنف، لا حمامات دم، لا عمليات انتقام.
إلا أن هذه الحالة سرعان ما انفجرت في وجه الحكومة الجديدة، تمرداً عسكرياً مسلحاً راح ضحيته مئات القتلى والجرحى، حتى تم إخماده، وما زال الجمر تحت الرماد حتى اللحظة.
نعم، لقد نجحت الثورة، وتمكنت قوة الشعب وقيادة الشرع من اقتلاع الدكتاتورية وإزالة الطاغية، إلا أن نوعاً من الدولة العميقة ما زال قائماً حتى الآن.
المسؤولية الآن تقع على الحكومة السورية في تفكيك هذه الحالة بأسرع وقت ممكن وسوق المجرمين للعدالة، وإلا فإنَّ القنابل الموقوتة سرعان ما ستعاود الانفجار من جديد، وستكون في كل مرة أكبر من سابقتها، خصوصاً مع وجود دعم خارجي، أشار إليه الشرع عند حديثه عن أحداث الساحل.
لقد أقرّ الاتحاد الأوروبي بمسؤولية فلول النظام عن هذه الأحداث المؤسفة، واعترف كذلك بسرعة تحرك الدولة السورية واحتواء الموقف.
وهذا موقف دولي إيجابي يحسب لحكومة الشرع في تعاملها مع أحداث التمرد المسلح في الساحل السوري.
لقد وضعت أحداث الساحل الحكومة السورية أمام مسؤولياتها المباشرة، وأيضاً وضعتها على المسار الصحيح في سرعة مواجهة الخارجين عن القانون.
بقي أن نشير إلى أن الاتفاق التاريخي بين الحكومة السورية و"قسد" يعد نموذجاً صارخاً لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية من مكاسب سياسية حقيقية، حيث استعادت دمشق بموجبه الأرض والثروة والسيادة والحدود.
الدروز أيضاً انخرطوا في العملية السياسية، وبالتالي دخلت كل الجغرافيا السورية تحت سيادة الدولة، باستثناء الأراضي التي احتلتها إسرائيل أثناء فوضى سقوط نظام بشار الأسد، وحتى هذه يمكن التفاوض حولها مستقبلاً.
ما زال أمام الرئيس أحمد الشرع الكثير من الملفات العالقة، والتي لا تحتمل التأخير، ويأتي في مقدمتها جلب كل مجرمي الحرب للعدالة، وحصر كل السلاح بيد الدولة، والأهم تفكيك الدولة الأسدية العميقة، وأيضاً كل الحالات الثورية الميليشياوية، وإعادة دمجها تحت ظل وزارات الدولة المختلفة.






















التعليقات