"أردتُ أن أكرم العبقرية العربية"؛ هكذا كتبت زيغريد هونكه، المستشرقة الألمانية الشهيرة، في مقدمة كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب"، وفيه أوردت المؤلفة قيمة وحجم العطاء العربي العلمي، والفلسفي، والحضاري، الذي لولاه، لما كان الغرب كما نعرفه اليوم.
أكدت المؤلفة أنه في كل أوروبا، لم يكن هناك عالم واحد، إلا ومدّ يديه للكنوز العربية! كما لم تنسَ التأكيد على أنَّ الأسماء العربية احتلت مقاماً رفيعاً، حيث لجأ بعض الأطباء في أوروبا لوضع كتبهم منسوبة لأسماءٍ عربية، طمعاً في رفع شأنها، وكسب رضا أصحاب السلطات السياسية، الذين أعجبوا بالعرب كل الإعجاب.
ثم تتساءل المؤلفة: "كيف حدث هذا؟ وكيف أمكن لشعب لم يمثل دوراً حضارياً أو سياسياً يُذكر أن يقف مع الإغريق في فترة وجيزة على قدم المساواة؟!"
ويبقى السؤال الملح دوماً هو: أين ذهبت هذه العبقرية؟ ولماذا غادرتنا العلوم، وفقدنا عصر النهضة؟
إنَّ العبقرية العربية، لم تنشأ من فراغ.
لقد كانت نتيجة طبيعية، لتلك الأفكار العظيمة، والمبدعة، التي نشأت في ظل فلسفة دينية، لم ترَ تناقضاً وتعارضاً بين الدين والعلم، أو العقل والنقل، كما عبّر عنه العلماء المسلمون الأوائل.
لم ترَ هذه الفلسفة أي إشكالية في العلم المادي أو الأفكار الأخرى المجردة، وهي أيضاً، لم ترَ أي إشكالية في قبول الآخر، المختلف دينياً، وثقافياً، والتفاعل معه.
لقد دعا القرآن صراحة إلى إعمال العقل، وتحرير قيم التفكر، كأحد البيّنات القطعية، على صحة ما جاء به من الوحي.
إنَّ تعاليم الإسلام ومقاصده الكبرى، التي أدركها العلماء الأوائل، أدت دون أدنى شك، إلى تآزر وتصالح بين الثوابت المختلفة، المادية منها والروحية، ولم ترَ فيها صراعاً أزلياً، كما تصورته وافترضته حضارات، ومعتقدات إنسانية أخرى، أو كما نفترضه نحن اليوم.
هذا التآزر، هو الذي قاد الحركة العلمية، إلى آفاق جديدة، ومبدعة، وخلق عصر النهضة.
لقد كانت الحضارة العربية، النموذج الوحيد في العالم، الذي حمل كل هذا التنوع، والثراء، والعبقرية. وكان هذا نتيجة حتمية، لطبيعة الخطاب الديني، والثقافي آنذاك.
من المؤكد أنَّ فهم المسلمين الأوائل لروح الإسلام، ومقاصده الكلية، يختلف عن فهمنا اليوم.
فهمٌ حفّز العبقرية، وخلق الفتوحات العلمية الكبيرة.
لقد كان عصر العلماء العظام، والقادة الملهمين، والذين قادوا الحركة العلمية العالمية لألف عام، عندها فقط كانت العبقرية العربية.
التعليقات