استشهد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بـ"التقدم الحقيقي" الذي أحرزته سياسات فريقه ضد التضخم العنيد، وبينما يقوم صناع السياسة النقدية بتقييم وتحديث تطورات معركة التضخم، بدا باول، كما بدت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، متفائلين بشأن بيانات التضخم الأخيرة، ولكنهما أكدا مجددًا على الحاجة إلى مزيد من الثقة قبل التحرك إلى قرار خفض معدلات الفائدة.
ومع تباطؤ التضخم في كل من أميركا وأوروبا على مدى نصف العام الماضي، يحاول مسؤولون مثل لاغارد وباول إعادة ضبط ومعايرة مقدار ما يتعين عليهما القيام به من أجل القضاء على الضغوط التضخمية بشكل تام.
وأشار باول إلى أنَّ التضخم يتراجع مرة أخرى في أميركا وأن الاحتياطي الفيدرالي "أحرز قدرًا كبيرًا من التقدم" في تهدئة زيادات الأسعار نحو هدف البنك المركزي. وأضاف باول في كلمته أمام المؤتمر السنوي للبنك المركزي الأوروبي في سينترا بالبرتغال أن التضخم "يظهر الآن علامات على استئناف اتجاهه الانكماشي". كانت رسالة متفائلة بعد أن وصلت معركة الاحتياطي الفيدرالي ضد التضخم إلى مأزق خاطف وموجز في وقت سابق من هذا العام.
وينتظر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي رؤية المزيد من التقدم بشأن التضخم قبل أن يبدأوا في خفض الفائدة، والتي وصلت حاليًا إلى أعلى مستوى لها منذ عقود، عند 5.3 بالمئة. ورفض باول تحديد متى يمكن للمسؤولين أن يبدأوا في خفض تكاليف الاقتراض، لكنه أشار إلى أنهم قد يخفضون معدلات الفائدة إذا استمرت بيانات التضخم في مسارها الحالي أو إذا ضعف سوق العمل.
وقال باول: "ما نود رؤيته هو المزيد من البيانات مثل ما رأيناه مؤخرًا"، مضيفًا لاحقًا: "لدينا القدرة على أخذ وقتنا وإنجاز ذلك بشكل صحيح". كما قالت لاغارد التي جلست بجوار باول، إنَّ صناع السياسة الأوروبيين ليسوا في عجلة من أمرهم لخفض معدلات الفائدة مرة أخرى، بعد التخفيض الأولي في حزيران (يونيو) الماضي.
وأضافت أن المسؤولين سيعيدون تقييم ما إذا كانت البيانات الاقتصادية تمنحهم ما يكفي من الثقة لخفض معدلات الفائدة بشكل أكبر. وقالت إنَّ التضخم "يتجه في الاتجاه الصحيح"، وتابعت: "لكننا ما زلنا نعتقد أنه من المرجح أن يكون الطريق وعرًا حتى نهاية عام 2024".
ومع تباطؤ التضخم في أميركا وأوروبا على مدى العام ونصف العام الماضيين، يحاول محافظو البنوك المركزية معايرة مقدار الجهد الذي يحتاجون إلى بذله للقضاء على ضغوط الأسعار لإعادة التضخم إلى أهدافهم البالغة 2 بالمئة. وجاء مقياس التضخم المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي عند 2.6 بالمئة في أيار (مايو). وفي منطقة اليورو، تباطأ معدل التضخم السنوي إلى 2.5 بالمئة في حزيران (يونيو)، حسبما أظهرت بيانات نشرت يوم الثلاثاء.
ترك بنك الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة دون تغيير منذ تموز (يوليو) 2023. وتوقع المسؤولون في البداية خفض معدلات الفائدة عدة مرات هذا العام، لكنهم بدلاً من ذلك أبقوا تكاليف الاقتراض ثابتة حتى الآن في انتظار أدلة على أن التضخم سيستمر في الانخفاض. وفي اجتماعهم في يونيو الماضي، توقع معظم مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي خفضًا واحدًا أو اثنين لمعدلات الفائدة قبل نهاية العام، ويتوقع المستثمرون الآن أن تبدأ هذه التخفيضات في أيلول (سبتمبر).
إقرأ أيضاً: الفيدرالي وسياسة الباب المفتوح
وعندما سُئل عما إذا كان من الممكن خفض سعر الفائدة في ذلك الوقت، قال جيروم باول إنه لن "يصل إلى أي تاريخ محدد اليوم"، لكنه أشار أيضًا إلى أن هناك مخاطر لكل من التحرك مبكرًا للغاية والتحرك متأخرًا للغاية. وأوضح أنَّ أي قرار مبكر للغاية قد يسمح للتضخم بالبقاء أعلى كما أن التأخر أكثر من اللازم يمكن أن يضغط على الاقتصاد أكثر من اللازم ويخاطر بسقوطه في حالة ركود.
وقال باول: "لدينا الآن مخاطر ذات جانبين أكثر مما كنا عليه قبل عام وهذا تغيير كبير". وأشار باول إلى أن بعض التضخم المستمر في الخدمات في أميركا كان نتيجة متأخرة للاتجاهات السابقة، مثل الارتفاع المفاجئ في تكاليف الإيجار القائمة على السوق والتي تم تغذيتها ببطء في البيانات الرسمية. واعترف باول بأن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يتوقعوا خفض التضخم بالكامل إلى هدفهم هذا العام. وقال: "الشيء الرئيسي هو أننا نحرز تقدمًا حقيقيًا".
ورغم أن التضخم في أميركا وأوروبا اتبع مسارًا مماثلًا نسبيًا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، فإن اقتصادات كل منهما تباينت بشكل كبير. وحققت أميركا نموًا قويًا إلى حد مدهش، ولكن منطقة اليورو بدأت للتو في الخروج من خمسة أرباع متتالية من الركود الاقتصادي.
إقرأ أيضاً: ماذا نتوقع من المركزي الأوروبي في اجتماع يونيو 2024؟
وخفض البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة الشهر الماضي للمرة الأولى منذ عام 2019، حيث توقع صناع السياسات أن التضخم سيعود إلى 2 بالمئة أواخر العام المقبل. ولكن المسؤولين الأوروبيين قاوموا الإشارة إلى عدد التخفيضات الإضافية التي يمكن أن يتم إجراؤها، لأنهم يشعرون بالقلق من التضخم العنيد في قطاع الخدمات. وفي الشهر الماضي، استقر تضخم الخدمات في منطقة اليورو عند 4.1 بالمئة.
أما لاغارد، فقد أشارت إلى أن "الخدمات هي القطاع الصعب". وفي الأثناء، يحاول صناع السياسات فهم ما إذا كان تضخم الخدمات ناجمًا عن تغييرات دائمة في القطاع أو عن الأسعار التي تلحق بمجالات أخرى شهدت ارتفاعًا في التضخم، مثل الطاقة.
إقرأ أيضاً: الأسواق الأميركية وقطاع التكنولوجيا
ومن غير المتوقع أن يخفض البنك المركزي معدلات الفائدة في اجتماعه في تموز (يوليو)، لكنَّ بعض المستثمرين يراهنون على إمكانية خفض معدلات الفائدة في أيلول (سبتمبر)، عندما ينشر البنك المركزي توقعات اقتصادية جديدة. ويراهن المتداولون على تخفيض واحد أو اثنين آخرين لمعدلات الفائدة هذا العام.
وتحدث باول ولاغارد أمام لفيف من صناع السياسات الحاليين والسابقين من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى الاقتصاديين الأكاديميين والبنوك، الذين اجتمعوا لمناقشة "السياسة النقدية في عصر التحول".
وفي وقت سابق من يوم الثلاثاء، ناقش الحاضرون ما إذا كان الارتفاع الأخير في التضخم في أميركا وأوروبا ناجمًا عن صدمات العرض، مثل اضطرابات الشحن خلال جائحة فيروس كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، ومستويات الطلب بعد الإغلاق. كما أعربوا عن قلقهم بشأن الكيفية التي تؤدي بها المخاطر الجيوسياسية، بما في ذلك الحروب والتعريفات التجارية والرسوم الجمركية المختلفة، إلى ارتفاع التضخم.
التعليقات