من الواضح أن إسرائيل لا تسعى إلى إطلاق سراح الرهائن. هذا ما أفرزته تجارب السلوك الإسرائيلي خلال الأشهر العشرة الماضية من معارك غزة، لأنَّ إطلاق سراح الرهائن يعني زوال أهم عذر من أعذار استمرار حرب غزة. فإسرائيل حريصة على استمرار احتجاز الرهائن من قبل حماس لتتمكن من مواصلة الحرب، لذا فلا نستغرب أن إسرائيل، رغم شراسة الهجمات على غزة، قد أبقت جيوبًا صغيرة لحماس هنا وهناك مع الرهائن لتستمر الحرب ولتوحي للعالم بأنَّ المقاومة ما زالت قوية، وأن هدف إسرائيل الرئيسي هو تحرير الرهائن.

حماس من جانبها لا تسعى إلى إطلاق سراح الرهائن لأنها تعتقد أنها لا تملك أي أوراق ضغط في أي مفاوضات مع إسرائيل سوى الرهائن. بهذه المعادلة، تنفذ حماس أجندات السياسة الإسرائيلية من حيث لا تشعر، أي أنها تفعل ما تريده إسرائيل بالضبط. والسؤال الذي يجب أن نطرحه هو: لماذا تسعى إسرائيل إلى إبقاء جيوب لمقاتلي حماس في غزة وبقاء الرهائن قيد الحجز؟

الجواب له وجهان. الوجه الأول هو أنَّ إسرائيل تبحث عن أهداف كبيرة، تسعى فيها إلى تحقيق الاستقرار وعدم تكرار الحروب المستمرة التي تشغلها عن طموحاتها العلمية والصناعية والسياسية والتكنولوجية. لا تريد البقاء على أرض رخوة وغير آمنة، بل تريد الاستقرار لتنتعش اقتصادياً وتنفتح على دول الجوار ودول العالم وتصبح دولة محترمة داخل المجتمع الدولي. لذلك، يجب عليها أن تجد الحل. وقد بدأت فعلاً في استغلال هذه الفرصة التاريخية التي وفرتها حماس لها. هذه الفترة الزمنية تمثل قمة الفرص بالنسبة إلى إسرائيل، ولا تتكرر في التاريخ مثل هذه الفرصة بوجود أعداء مشتتين وغير منظمين ومتفرقين ومتعادين. معظم هؤلاء الأعداء ليسوا بقادة سياسيين بل قادة منظمات مسلحة، وهناك تحالف دولي غربي كبير يقف خلف إسرائيل في السراء والضراء. إذًا، هي فرصة إسرائيل الاستراتيجية لتقويم كيانها وفرض الأمر الواقع على جميع أعدائها، خاصة الذين تورطوا في أحداث غزة.

أما الوجه الثاني فهو أن حماس الضعيفة العليلة بالنسبة لإسرائيل أفضل من استئصالها تماماً، لأن ذلك سيساعد إسرائيل كثيراً في إبقاء الطرف الفلسطيني عليلاً. حماس، مهما ضعفت، ستظل منافسًا قويًا للسلطة الفلسطينية وسبباً لتشتيت وحدة الصف الفلسطيني إلى قسمين متناقضين في كل شيء، حتى في الولاء للخارج. فبينما تستند السلطة الفلسطينية إلى ولائها العربي، تستند حماس إلى ولائها الأجنبي (تركيا وإيران)، وتُسميه ولاءً إسلامياً.

إذاً، إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأجانب المحتجزين لدى حركة حماس لا يخدم إسرائيل نهائياً، ولا يصب في مصلحة عقيدتها السياسية. لذلك، سيكون هؤلاء الرهائن في نهاية المطاف ضحية للأهداف الكبيرة وضحية للطوفان. وقد تضطر حركة حماس إلى تصفيتهم تدريجياً لأنهم سيصبحون يوماً بعد يوم عبئًا ثقيلاً عليها. كلما مر يوم جديد، تشعر الحركة باستحالة حصد أي فائدة مرجوة من احتجاز هؤلاء الرهائن. سنسمع أعذارًا من حماس مثل مقتل رهينة بسبب غضب أحد مقاتليها، أو مقتل رهينة بسبب القصف الجوي الإسرائيلي، أو حتى قيام رهينة بالانتحار (سنسمع ذلك قريباً). قد يظهر لنا أحد الرهائن في تسجيل مصور يدعي أنه اعتنق الديانة الإسلامية وطلب من قيادة حركة حماس القيام بعملية انتحارية ضد اليهود. هكذا يتم تصفيتهم بهدوء، وقد نسمع عن وفاة آخر رهينة بنوبة قلبية خلال الأشهر القادمة.

إقرأ أيضاً: الابتلاء مع الجهلاء

نعم، الرهائن هم الضحية. أسماء هؤلاء الرهائن المساكين لامعة في الصحف والمناشدات الإنسانية، لكن على الأرض، هم الورقة الأغلى لتصفية الحسابات باسمهم. الفلسطينيون قدموا عشرات الآلاف من الضحايا في حرب غزة دون إرادتهم كثمن لاحتفاظ حماس بهؤلاء الرهائن القليلين، وسيقدمون المزيد والمزيد من الضحايا الأبرياء ثمناً لبقاء الرهائن. يا ليت حماس تدرك هذه الحقيقة وتفرج عما تبقى من هؤلاء الرهائن بدون مقابل رأفةً بالشعب الفلسطيني، ولكن هيهات أن ترقى العقلية الإرهابية إلى مستوى التفكير بطريقة إنسانية.

الرهائن، إذًا، بدأوا كورقة رابحة في المعركة، ولكنهم سينتهون كورقة خاسرة عديمة القيمة. للتذكير، ستكون سمعة حماس المدونة في ملفات المنظمات الدولية مثل سمعة النازية في الحرب العالمية الثانية التي تسببت بمحرقة اليهود أو "الهولوكوست". والأكثر من ذلك، سيمجد التاريخ هؤلاء الرهائن الضحايا، وسيصنع لهم النصب والتماثيل، وتسمى الشوارع والمدن بأسمائهم. أما عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين الأبرياء، فسيصبحون نكرة لا يذكرهم أحد بسبب الخطأ الذي ارتكبته حماس باحتجاز عدد من الرهائن والاحتفاظ بهم، متصورةً بأنها ستجبر العالم وأميركا وإسرائيل على التوسل إليها وتنفيذ جميع مطالبها من أجل عيون الرهائن. يا له من غباء رهيب!

إقرأ أيضاً: مغادرة الرعايا الأجانب

هذا بالضبط يذكرني بنهاية ثمانينيات القرن الماضي، عندما هدد صدام حسين بقطع النفط عن أميركا وأوروبا بعد إعدام الصحفي البريطاني الإيراني الأصل (بازوفت). حينها، خرجت مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك، أمام الصحافة العالمية لتقول: "العراقيون يريدون منع النفط عنا، سنجعلهم يشربون هذا النفط الذي يمنعونه عنا". وكان قولها فعلًا. هكذا يفكر قادتنا وهكذا يفكر قادتهم، لا مقارنة.