منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اندلعت عشرات الحروب في مناطق مختلفة من العالم، واستخدمت فيها أنواع من أسلحة الدمار الشامل والإبادة، باستثناء السلاح النووي. لذا لم تصل هذه الحروب إلى مستوى حرب عالمية ثالثة أو "حرب كونية" كما يسميها البعض. فمقياس اندلاع حرب عالمية ثالثة مرتبط بشكل مباشر باستخدام السلاح النووي، حيث تعني "الحرب الكونية" صراع البقاء للأقوى.

مع مرور الأيام، تزداد احتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة، وتبدو مناطق اندلاعها محصورة في أوكرانيا بسبب الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا. سقوط أوكرانيا عسكريًا بيد روسيا قد يكون سببًا كافيًا لاندلاع الحرب العالمية الثالثة، لأنه يُعتبر خطًا أحمر بالنسبة للعالم الغربي، وخاصة الولايات المتحدة. وبالمثل، إذا انتصرت أوكرانيا عسكريًا على روسيا، فإن ذلك قد يؤدي أيضًا إلى حرب عالمية ثالثة، حيث هددت روسيا بشكل علني باستخدام السلاح النووي ضد الدول التي تدعم أوكرانيا في حال خسرت الحرب.

استمرار الحرب بالأسلحة التقليدية دون نهاية يعد سيناريو استنزاف لا تتحمله روسيا على المدى البعيد. وبالتالي، فإن كل الاحتمالات تشير إلى حرب عالمية ثالثة من الجبهة الروسية. وحتى إحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا ووقف العمليات العسكرية قد لا يكون كافيًا لمنع اندلاع الحرب العالمية الثالثة، لأن روسيا تشترط رفع الحصار الاقتصادي الغربي عنها كشرط لأي محادثات سلام، وهو أمر تعتبره الولايات المتحدة والغرب مستحيلًا.

الجبهة الصينية في بحر الصين الجنوبي أيضًا تزيد من احتمالات قيام حرب عالمية ثالثة بسبب إصرار الصين على ضم جزيرة تايوان. الجبهتان، الصينية مع تايوان والروسية مع أوكرانيا، متشابهتان إلى حد كبير، فكلاهما يرتبطان بمحاولة احتلال دولة جارة، وكلاهما قد يكون شرارة للحرب العالمية الثالثة.

الصين، منذ عقود، تهدد بضم تايوان وتدعي أن الجزيرة تابعة لها. الصين، باعتبارها دولة عظمى تمتلك السلاح النووي واقتصادًا عالميًا كبيرًا، لم تحتل تايوان حتى الآن بسبب خوفها من رد فعل الولايات المتحدة. في المقابل، عندما ترغب الولايات المتحدة في احتلال أي دولة، فإنها لا تنتظر إذنًا من الصين أو روسيا.

هذا الخوف من أميركا يقابله عدم قدرة الصين على التنازل وترك تايوان كدولة مستقلة ذات سيادة. هذه المسألة تتعلق بسمعة وكرامة الصين كدولة عظمى، مما يجعلها غير قادرة على اتخاذ قرار حاسم. والنتيجة هي حالة من التوتر في جنوب شرق آسيا وقلق من حرب كونية.

ليس هناك بؤر أخرى في العالم تشير إلى إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة غير تايوان وأوكرانيا. من الحكمة أن تخاطب القيادة الصينية شعبها وتخبره باستحالة استعادة جزيرة تايوان بوجود الولايات المتحدة، مما قد يخفف التوترات في المنطقة.

إقرأ أيضاً: مغادرة الرعايا الأجانب

في نهاية المطاف، احتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة تتوقف على قرارات الصين وروسيا. لم نسمع من أي مسؤول غربي أو أميركي استعدادًا للجوء إلى السلاح النووي أو الرغبة في حرب كونية. فقط روسيا، الصين، وكوريا الشمالية تهدد باستخدام الأسلحة النووية، وهي في الوقت ذاته تخشى استعادة ما تعتبره حقاً لها.

قد يتساءل البعض لماذا تصر الصين على موقفها المتوتر ولا تغير سياستها؟ ولماذا لا تغير روسيا سياستها بدلًا من خلق الفوضى في أوكرانيا، وهي تعلم أن احتلال أوكرانيا يعد خطاً أحمر للعالم الغربي؟ السبب واضح: القدرة على تغيير السياسات والتعامل مع الواقع بواقعية هي صفة الأنظمة الديمقراطية العريقة، التي تعتبر المصالح والواقع المحرك لسلوكها السياسي. أما الأنظمة الشمولية كالصين وروسيا، فلا تملك براغماتية سياسية، لأن نفس الحزب الحاكم ونفس الوجوه والمبادئ هي التي تحكم حتى يتغير النظام.

تغيير سلوك هذه الأنظمة يعني هزيمتها وهزيمة مبادئها. صحيح أنَّ روسيا تعتبر نفسها ديمقراطية، ولكن ديمقراطيتها لا تزال بدائية، مما سمح لبوتين بالاستحواذ على مراكز القرار.

إقرأ أيضاً: الابتلاء مع الجهلاء

الصين وروسيا دولتان معاديتان للديمقراطية، لكن من سوء حظهما أن الدول الديمقراطية الغربية هي التي تسيطر على العالم اليوم. ما لم تغير الصين وروسيا طبيعة نظام الحكم فيهما، سيظل العالم يعيش في هاجس الحرب الكونية. ولدينا في التاريخ أمثلة حية، كاليابان وألمانيا وإيطاليا، التي كانت قبل الحرب العالمية الثانية بنفس عقلية الصين وروسيا الحالية. وبعد خسارتها الحرب، أُجبرت على تغيير أنظمتها وتحولت إلى الديمقراطية، لتصبح هذه الدول اليوم من رواد التكنولوجيا والعلم.

فهل تنتظر روسيا والصين تذوق مرارة الحرب والدمار لتغيير أنظمتهما السياسية؟