"يقال إنه في القرية مات أسد فاستراحوا من أذاه، خلف الأسد أسداً فاق بالجلد أخاه"

كان الجميع، وتحديداً الكيان الإسرائيلي، يتوقع أن الفصائل المسلحة الفلسطينية، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية، ستفقد عنصر قوتها في المعركة، وربما تبدأ بالتراجع عن خندقها الأمامي إلى خندق الخسارة. ولكن ما إن تم الانتهاء من مراسيم التشييع والدفن لقائد حماس حتى انتهت الحركة من انتخاب يحيى السنوار رئيساً جديداً لحركة حماس، وبذلك تبدأ مرحلة جديدة من المواجهة ترتكز على ما تم الانتهاء منه مع هنية.

اختيار السنوار رئيساً لحركة حماس يعد ضربة موجعة لإسرائيل ويضعها أمام تحديات كبيرة وخطيرة. كما أن اختياره يعكس استراتيجية جديدة اتبعتها الحركة في إدامة الصراع مع الكيان الغاصب، وتحمل موقفاً أكثر تشدداً وتمسكاً بالثوابت الفلسطينية الرافضة لأي مساومة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وعدم تقديم أي تنازلات قد تضر بمصالح الفلسطينيين، بل ربما يحمل في طياته إعادة الصراع إلى عام 1948.

إستراتيجية السنوار، وكما يرى عدد من المحللين المختصين بالشأن الفلسطيني، تعد انتكاسة للأنظمة التي تعمل على خطوات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. يُعتبر السنوار من القيادات العنيدة التي لا تقبل المساومة أو التفاوض أو التنازل، خصوصاً أنه رفض الحديث أو التفاوض حول "نزع سلاح المقاومة"، مما يترك المدن الفلسطينية أسيرة بيد الجيش الإسرائيلي. وفي خطابه الأخير، رفع السنوار شعار "أعيدوا هنية حياً"، بمعنى أن التفاوض مع الكيان الإسرائيلي لن يكون إلا بـ"الأسرى مقابل الأسرى" وإعادة جميع النازحين إلى مدنهم بعد إعادة إعمارها.

إقرأ أيضاً: السوداني والانتخابات البرلمانية القادمة

يأتي اختيار يحيى السنوار خلفاً لهنية بعد وقت قصير جداً من عملية الاغتيال، وهي رسالة واضحة بأن حركة حماس ما زالت فاعلة بجميع خطوطها السياسية والجهادية، وقادرة على إدارة شؤونها الداخلية بالرغم من عمليات القتل اليومية التي تمارسها آلة الحرب الإسرائيلية، والإمكانات الهائلة التي تملكها الترسانة الصهيونية بدعم من واشنطن. كما أنها رسالة داخلية للشعب الفلسطيني بأن مقاومتكم ما زالت حية وقادرة على التفاوض ويدها على الزناد.

حركة حماس، من خلال اختيار السنوار، عبرت عن موقفها الداخلي الموحد وأطلقت رسالة مهمة للخارج والداخل بأنها موحدة وقادرة على اتخاذ القرار المناسب بعيداً عن التنافس السياسي. وهذا دليل على أن حماس تعمل بنظام مؤسساتي "هرمي" لا يقبل أي شك أو تأويل في اتخاذ القرارات وفق مبدأ العمل المؤسساتي، ويواجه الخلافات الداخلية وفق هذا المبدأ بعيداً عن الصراعات، وتتحد مواقفها في أي مواجهة مع العدو سريعاً دون تردد في اتخاذ القرار المناسب.

إقرأ أيضاً: النفط: سلاح المعركة القادم!

أعتقد، وكما يرى بعض المتابعين للمشهد الداخلي لحركة حماس، أن السنوار سيكون قادراً على ملء موقعه السياسي والجهادي، وسيكون قادراً على إدارة الملفات بعناية وتركيز عالٍ. بل وربما يكون غطاءً لجميع الحركات السياسية في فلسطين، بدءاً من حركة "فتح" وحتى باقي الحركات والفصائل المسلحة في العمق الفلسطيني. وربما سيكون منافساً قوياً وشرساً مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في طريقة الاستحواذ على القيادة والسلطة فيها. لأن حماس تواجه مأزقاً كبيراً مع هذا الاختيار، ومع عدم وجود تنازلات، فإن فرص التفاوض باتت ضعيفة، ولن تستطيع تل أبيب القضاء على حماس. وستعود الأخيرة قوية وقادرة على إدارة الملفات والضغط على الزناد في آن واحد.