هذه مجموعة من تداعيات واقعة في العراق تثبت بما لا يقبل الشك أنَّ الحكومة العراقية ضعيفة وغير قادرة على بسط نفوذ سلطتها على أرض العراق ومواطنيه الذين يعيشون على ترابها. الحكومة عاجزة عن فرض القانون وإنفاذه عبر أجهزتها الأمنية، مما يعيق تحقيق الأمن وتثبيت الاستقرار في البلد.

بين فترة وأخرى، تعود "سرقة القرن" إلى الظهور، وهي سرقة مبلغ قدره ثلاثة تريليونات و700 مليار دينار من أموال الأمانات الضريبية، وذلك حسب تصريح رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي أضاف تصريحًا آخر أكد فيه عجز الحكومة العراقية عن اتخاذ أي إجراء بحق لصوص "سرقة القرن"، لأنهم يحملون الجنسيتين الأميركية والبريطانية. وهذا يتناقض مع تصريح سابق له قال فيه: "أسماء كبرى ستحاسب قريبًا في قضية سرقة القرن".

وتجدر الإشارة إلى أن هذه السرقة، التي جرت في عام 2023، تعود إلى واجهة التناول الإعلامي والتداول الحكومي بين فترة وأخرى لأن اللصوص طلقاء ويشكلون عصابات لها تأثيرها المخيف والمرعب داخل أوساط المجتمع العراقي. ففي الآونة الأخيرة، هددت إحدى هذه العصابات في محافظة البصرة، في ميناء الفاو تحديدًا، بشكل علني النائب مصطفى سند لكشفه ملفات خطيرة تتعلق بسرقة القرن وكشفه عن وجود شخصية سياسية كبيرة متواطئة في الجرم، وهم لا يريدون أن يعرف الشعب العراقي هذه الشخصية التي تسرق أمواله.

لذلك، جاء تهديد هذا النائب، الذي يبدو أنه يتمتع بإحساس إنساني شريف لا يرضى بالباطل، كما يتبدى لي أنه يتمتع بشجاعة كبيرة وشعور عارم بالفروسية، حيث هو في معركة ضد عصابات لصوص تهدد الوطن بالانهيار وتبشر الطفل العراقي بمستقبل يسوده الاضطراب والبؤس والشقاء، لأنهم لا يتركون له مالًا يستغله الشرفاء من المسؤولين لبناء مستقبل زاهر له، بل يسرقون أموال الشعب ويحولونها إلى أسمائهم وأسماء أفراد أسرهم في الداخل والخارج لشراء العقارات وفتح الحسابات المالية الضخمة.

إقرأ أيضاً: الهجوم الإيراني على إسرائيل من زاوية عسكرية

وإذا تصدى للسرقة مسؤول شريف مثل النائب مصطفى سند، فإن العصابات تتحرك لتهديده وسلب حياته وتدمير أسرته من أجل إسكات الأصوات الشريفة التي ترفض الفساد ونهب موارد البلد وهدرها، والتي تتضمن حق كل مواطن عراقي في الحصول على الخدمات والسلع وفرص العمل.

إنه لأمر عجيب أن يقوم مسؤولون حكوميون بممارسة الفساد والتصرف بمقدرات البلد المالية وغيرها من الموارد، وتحت أيديهم عصابات تحميهم من أي إجراء حكومي ومن العقاب والملاحقة القانونية، لأن هذه العصابات تفرض سلطتها الإجرامية على البلد وتجعلها فوق القانون. الحكومة العراقية تعرف بذلك، لكنها غير قادرة على التصدي لهذه العصابات وفرض سلطة القانون عليها، وانتزاع هيبة الدولة منها، وإحالة زعيم العصابة إلى القضاء لينال جزاءه العادل بعد نزع الحصانة الدبلوماسية عنه.

إقرأ أيضاً: غزة وانتهازية الرئيس الأميركي

إن عدم مبادرة السلطات العراقية يقدم دليلاً على ضعف السلطة السياسية والإدارية وعدم بسط نفوذها القانوني وسلطتها الإدارية على المساحة الجغرافية الواقعة تحت قبضة الحكومة الاتحادية أو الحكومات المحلية للمناطق الإدارية، فضلًا عن تخاذل الأجهزة الأمنية المرتبطة بهيبة الحكومة وقوتها في فرض سلطتها على المواطن العراقي أينما كان.

إذا كانت حكومة السوداني جادة في محاسبة اللصوص وسارقي الأموال العامة ووضع حد جذري ونهائي لهذه السرقات وإيقاف كافة أشكال التلاعب بالمال العام، وفي مقدمتهم المشاركون في جريمة "سرقة القرن"، وهي أكبر سرقة في تاريخ العراق بل في تاريخ الإنسانية في العصر الحديث، فإن عليها أن تخصص قانونيًا وفق قانون العقوبات العراقي، وعبر القضاء، دون محاكمة، عقوبة الإعدام لكل سارق ومتلاعب بأموال البلد، وتنفيذ العقوبة به حال ثبوت صحة أدلة التحقيق معه، مع مصادرة ممتلكاته وممتلكات أقاربه حتى الدرجة الثالثة، سواء كانت المنقولة أو غير المنقولة.