تحمل الانتهازية معنى النفاق، أو هي النفاق بعينه؛ ولو نظرت من عل إلى عالمها، لوجدت الرئيس الأميركي جو بايدن يتربع على عرش قطبيتها من دون منافس، مثلما تتربع أميركا على عرش القوة الغاشمة والسياسة الملتوية والنفوذ الباطل في العالم.

أخطر أنواع النفاق هو النفاق المزدوج الذي يمارسه بايدن بشكل سافر في تعامله مع القضية الفلسطينية، من زواية الانتقام، ويتعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة من زواية حق الدفاع عن النفس.

في الوقت الذي تمطر الطائرات الحربية الإسرائيلية وصواريخ المدفعية الأرضية والبحرية والطائرات المسيرة أرض قطاع غزة بمختلف أنواع الذخيرة الأميركية التي أرسلتها إلى إسرائيل بآلاف الأطنان لقتل الفلسطينيين وتدمير وطنهم، وقد صرح معترفاً بذلك الدعم اللوجستي وزير الدفاع الأميركي لويد جونسن خلال مؤتمر صحفي في بروكسل بعد اجتماع رؤساء إدارات الناتو العسكرية، حيث قال: "نعمل دون تأخير على نقل ما تحتاجه إسرائيل من أجل الدفاع عن النفس، بما في ذلك الذخيرة الاعتراضية لمنظومة القبة الحديدية"، تقوم طائرات النقل الجوي الأميركي بإسقاط حاويات من المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية على أهل غزة بشكل فيه بالغ إذلال، إذ تقوم بإسقاطها فوق أسطح المنازل حتى تضطرهم إلى ملاحقتها، لكن العتب على الحكام العرب... أما تتحرك نخوتهم قليلاً فيطلبون من أميركا إسقاط المساعدات الإنسانية في ساحات معينة حفظاً لكرامة أخوتهم؟

لكن عندما نحيل سلوك الرئيس الأميركي هذا إلى الزاوية التحليلية، فأي ازدواجية خرقاء تتوسط بين سلوك أنا وأنت والآخر والشيء؛ أنا هي الرئيس الأميركي وأنت هي إسرائيل، والآخر هو الفلسطيني، والشيء الذي هو المساعدات ذات الإنسانية المزعومة. فلو نظرنا إلى هذه المسألة من زاوية المنطق التقليدي لأرسطو من زاويتي التصور والتصديق، لوجدناها من علَّةٍ، فالرئيس الأميركي يعاني من اضطراب في وعيه وشلل في تفكيره ولكن لا يفكر إلاّ في دعم إسرائيل.

لقد كان الرئيس الأميركي منذ الهجوم البري للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في مقدمة الرافضين لإيقاف الحرب على القطاع، بالرغم من قوانين الحرب التي تستدعي المحافظة على المدنيين وتوفير طرق آمنة لهم لمغادرة المدن التي تتعرض للقصف الجوي أو الاجتياح الأرضي من قبل الجيش، تحت أي ذريعة كانت، ويصرح بذلك قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في معظم الأوقات، لا بل تستخدم إدارته حق الفيتو ضد أي قرار يتبناه مجلس الأمن يصب في مجرى إيقاف إطلاق النار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البشر والبنية التحتية وتوفير فرصة من الأمان للأحياء ليغادرهم الخوف ولو مؤقتاً.

لن تغطي هذه المساعدات البائسة والعفنة والمغموسة بدماء أكثر من 30 ألف شهيد فلسطيني والمقطوبة بأوجاع وآهات أكثر من 70 ألف مصاب والمغلفة بمأساة مليون ونصف من المهجرين، على جريمة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة منذ ستة أشهر.